للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى: إنَّ الرَّجْمَ إذَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالزِّنَى، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ حَدُّهُمَا الْحَبْسَ وَالْأَذَى فِي الْحَالِ الَّتِي أَبْدَلَ مَكَانَهَا الرَّجْمَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ ثُبُوتُ (الْحَبْسِ وَالْأَذَى) فِي الْحَالِ الَّتِي وَجَبَ فِيهَا الرَّجْمُ، لِأَنَّ وُقُوعَ الرَّجْمِ يُنَافِيهِمَا، فَثَبَتَ أَنَّهُمَا مَنْسُوخَانِ بِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا» وَهَذَا يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - السَّبِيلَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: ١٥] «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ» فَأَخْبَرَ بِزَوَالِ الْحَبْسِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ حَبْسَهُنَّ إلَى وَقْتِ وُرُودِ السَّبِيلِ، فَبَيَّنَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (ذَلِكَ) السَّبِيلَ، وَأَخْبَرَ بِنَسْخِ حُكْمِ الْآيَةِ عَنْ الزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ لَا بِإِيجَابِ الْجَلْدِ، لَكِنْ بِمَعْنًى غَيْرِهِ، وَنَسَخَهُ عَنْ الْمُحْصَنِ بِالرَّجْمِ، لِأَنَّ وُقُوعَ الرَّجْمِ يُنَافِي الْحَبْسَ. وَنَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: ١٨٠] ، قِيلَ إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالْمِيرَاثِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ وُجُوبَ الْمِيرَاثِ لَمْ يَكُنْ يُنَافِي بَقَاءَ الْوَصِيَّةِ فَيَسْتَحِقُّهَا جَمِيعًا مَعًا، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا نُسِخَتْ الْوَصِيَّةُ وَأَوْجَبَ عَقِيبَهَا الْمِيرَاثَ، قِيلَ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِهِ. وَلَوْ خُلِّينَا وَالْآيَتَيْنِ لَاسْتَعْمَلْنَاهُمَا جَمِيعًا، وَمِثْلُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ ثُمَّ نُسِخَ بِصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ» وَأَنَّ الزَّكَاةَ نَسَخَتْ كُلَّ صَدَقَةٍ كَانَتْ وَاجِبَةً قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ نَسَخَتْ كُلَّ ذَبِيحَةٍ كَانَتْ وَاجِبَةً قَبْلَهَا، وَأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» مَنْسُوخٌ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلِمْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>