الْمُخْبِرَيْنِ بِالطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ، بِأَنَّ مَا يُثْبِتُهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ شَرْعًا يَجُوزُ فِيهِ وُرُودُ الْإِبَاحَةِ عَلَى الْحَظْرِ تَارَةً وَوُرُودُ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ أُخْرَى، وَأَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي مُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ طَاهِرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ نَجَسًا. (فَوَجَبَ تَأْكِيدُ) خَبَرِ النَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمُ عَلَى خَبَرِ الطَّهَارَةِ وَالتَّحْلِيلُ، لِأَنَّهُ إذَا حَلَّتْهُ النَّجَاسَةُ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَطْهُرَ بَعْدَهُ، وَمَا حَظَرَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَجُوزُ أَنْ يُبِيحَهُ بَعْدَهُ. قِيلَ لَهُ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَنَّا لَمْ نَجْعَلْ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، أَنَّ أَحَدَهُمَا يَجُوزُ فِيهَا وُرُودُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ حَظْرٍ أَوْ إبَاحَةٍ عَلَى صَاحِبِهِ، وَأَنَّ الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ فِيهَا وُرُودُ الْإِبَاحَةِ بَعْدَ الْحَظْرِ فَحَسْبُ، دُونَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ أَخْبَارَ الشَّرْعِ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، لَمَّا جَازَ فِيهَا وُرُودُ الْإِبَاحَةِ عَلَى الْحَظْرِ، وَقَدْ عَلِمْنَا صِحَّةَ الْحَظْرِ طَارِئًا عَلَى الْإِبَاحَةِ، امْتَنَعَ وُجُودُ الْإِبَاحَةِ بَعْدَهُ، إلَّا مَعَ وُرُودِ تَارِيخِهِمَا مُتَأَخِّرًا عَنْ الْحَظْرِ مُنْتَشِرًا ظَاهِرًا عِنْدَ مَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ الْحَظْرُ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ، فَلَمَّا عَدِمْنَا ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ خَبَرَ الْإِبَاحَةِ وَارِدٌ (عَلَى الْأَصْلِ) وَأَنَّ خَبَرَ (الْحَظْرِ) بَعْدَهُ (وَ) قُلْنَا: إنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي خَبَرِ الْمُخْبِرَيْنِ بِالنَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ، لِامْتِنَاعِ وُرُودِ الطَّهَارَةِ عَلَى الْمَاءِ بَعْدَ وُرُودِ النَّجَاسَةِ، فَلَمْ يَكُنْ هَاهُنَا جِهَةٌ تُوجِبُ كَوْنَ إثْبَاتِ النَّجَاسَةِ أَوْلَى مِنْ إثْبَاتِ الطَّهَارَةِ.
وَيُبَيِّنُ لَك الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا (أَنَّك لَا تُخَالِفُنَا) فِي صِحَّةِ خَبَرِ الْحَظْرِ طَارِئًا عَلَى إبَاحَةِ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا تُرِيدُ إثْبَاتَ الْإِبَاحَةِ الَّتِي هِيَ قَوْلٌ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَوْ فِعْلٌ طَارِئٌ عَلَى الْحَظْرِ، وَلَا نَقُولُ مِثْلَهُ فِي خَبَرِ الْمُخْبِرَيْنِ بِالنَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ، لِأَنَّك تَمْنَعُ إثْبَاتَ الطَّهَارَةِ بَعْدَ النَّجَاسَةِ، وَإِنَّمَا عَارَضْت أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، فَأَسْقَطَتْهُمَا جَمِيعًا، وَبَقَّيْت الشَّيْءَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَالُهُ قَبْلَ خَبَرِ الْمُخْبِرَيْنِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْفَصْلِ بَيْنَ خَبَرِ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ، وَبَيْنَ أَخْبَارِ الشَّرْعِ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، أَنَّ الْمُخْبِرَيْنِ بِالنَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ إنَّمَا (تَنَاوَلَ خَبَرَاهُمَا عَيْنًا وَاحِدَةً أَخْبَرَ أَحَدُهُمَا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute