للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ نَسْخَ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ لَمْ يَعْتَرِضْ عَلَى مَوْضُوعِ الْخِلَافِ (لِأَنَّ الْخِلَافَ) بَيْنَنَا فِي نَسْخِ الْحُكْمِ، وَلَمْ نَخْتَلِفْ أَنَّ نَسْخَ التِّلَاوَةِ (قَدْ) يَكُونُ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ.

وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ نَسْخَ الْحُكْمِ دُونَ التِّلَاوَةِ لَمْ يَمْتَنِعْ نَسْخُهُ بِالسُّنَّةِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ السُّنَّةِ خَيْرًا لَنَا مِنْ حُكْمِ الْقُرْآنِ فِي بَابِ أَنَّهُ أَصْلَحُ لَنَا وَأَنْفَعُ، لِأَنَّ اسْمَ الْخَيْرِ لَا يُطْلَقُ فِي مِثْلِ هَذِهِ إلَّا بِإِضْمَارِ إضَافَتِهِ إلَى مَنْ يَحْصُلُ لَهُ، لِأَنَّك لَا تَقُولُ إنَّ هَذَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا إلَّا وَمُرَادُك أَنَّهُ خَيْرٌ لِمَنْ تَعَبَّدَ بِهِ أَوْ جَعَلَ لَهُ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ.

وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ نَسْخَ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ مَعًا، فَإِنَّ نَسْخَ التِّلَاوَةِ قَدْ يَجُوزُ عِنْدَ الْجَمِيعِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ، بِأَنْ يُنْسِيَ اللَّهُ مَنْ يَحْفَظُهَا أَوْ يَأْمُرَ عَلَى (لِسَانِ) رَسُولِ اللَّهِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا فَتُنْسَى، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تَمْنَعْ نَسْخَ الْحُكْمِ عَلَى الِانْفِرَادِ بِالسُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ نَسْخُهُمَا مَعًا بِالسُّنَّةِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا أَنْكَرْت أَنْ يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ {بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة: ١٠٦] ؟ (أَوْ مِثْلِهَا أَنْ يَكُونَ) خَيْرًا مِنْ الْأُولَى مِنْ جِهَةِ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْ زِيَادَةِ الثَّوَابِ بِتِلَاوَتِهَا، كَمَا رُوِيَ أَنَّ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْآنِ يَعْنِي فِيمَا يُسْتَحَقُّ بِتِلَاوَتِهَا مِنْ الثَّوَابِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا يُسْتَحَقُّ بِغَيْرِهَا.

وَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ {بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نَعْدِلَ بِهِ عَنْ قُرْآنٍ مِثْلِهِ إلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِقُرْآنٍ مِنْ جِهَةِ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ إنَّ الْقُرْآنَ لَا يَكُونُ بَعْضُهُ خَيْرًا مِنْ بَعْضٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>