للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِعَالٍ» وَأَنَّهُ «أَمَرَ بِالْغَدَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، نَهَى عَنْ لُحُومِ الْأَهْلِيَّةِ» «وَأَمَرَ بِالنِّدَاءِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ أَنْ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» .

وَأَنَّهُ «قَبِلَ شَهَادَةَ أَعْرَابِيٍّ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ» وَأَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ كَنَحْوِهَا تُوجِبُ قَبُولَ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي أَمْرِ الدِّينِ، وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ وَإِنْ كَانَ وُرُودُهَا فِي طَرِيقِ الْآحَادِ فَإِنَّهَا مِنْ الْأَخْبَارِ الشَّائِعَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ فِي الْأُمَّةِ، وَقَدْ تَلَقَّتْهَا وَاسْتَعْمَلَتْهَا فِي نَقْلِ الْعِلْمِ وَأَدَائِهِ إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَفِي قَبُولِ نِدَاءِ الْمُنَادِي وَمَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ.

وَقَدْ احْتَجَّ عِيسَى بْنُ أَبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِذَلِكَ، وَرَوَى بَعْضَهَا مُرْسَلًا، وَمِنْ الْجُهَّالِ مَنْ يَتَعَجَّبُ مِنْ احْتِجَاجِهِ بِذَلِكَ وَيَقُولُ: كَيْفَ يُحْتَجُّ عَلَى مُبْطِلِي خَبَرِ الْوَاحِدِ بِخَبَرٍ مُرْسَلٍ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ قَائِلُو خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي قَبُولِهِ، فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى مَنْ لَا يَقْبَلُ أَخْبَارَ الْآحَادِ رَأْسًا.

وَإِنَّمَا وَجْهُ احْتِجَاجِهِ بِهِ: أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَرْفَعْهَا، بَلْ جَمِيعُ الْأُمَّةِ قَدْ اسْتَعْمَلَتْهَا، وَتَلَقَّتْهَا بِالْقَبُولِ فِي لُزُومِ نَقْلِ الْعِلْمِ، وَدَلَالَتُهَا وَاضِحَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّهُ قَالَ: «فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» فَأَخْبَرَ: أَنَّ الَّذِي يَحْمِلُهُ الْوَاحِدُ وَيُؤَدِّيهِ إلَى غَيْرِهِ فِقْهٌ، وَلَيْسَ يَكُونُ فَقِيهًا إلَّا وَقَدْ لَزِمَ الْمَنْقُولَ إلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ.

وَكَذَلِكَ النِّدَاءُ، لَوْ لَمْ يَلْزَمْ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْمُنَادِي - وَهُوَ وَاحِدٌ - لَمَا كَانَ لِلْأَمْرِ بِهِ مَعْنًى.

وَضَرْبٌ آخَرُ مِنْ ذَلِكَ: وَهُوَ رُسُلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ، أَرْسَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى كُلِّ مَلِكٍ مِنْهُمْ رَسُولًا وَكِتَابًا، وَكَانَ فِي كُتُبِهِ إلَيْهِمْ، الدُّعَاءُ إلَى التَّوْحِيدِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالرِّسَالَةِ، وَجُمَلٌ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ لَزِمَهُمْ قَبُولُهَا، وَالْعَمَلُ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْحُكْمِ لَمَا كَانَ لِإِرْسَالِهِمْ وَكَتْبِ الْكُتُبِ مَعَهُمْ مَعْنًى.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: التَّصْدِيقُ وَالتَّوْحِيدُ بِالرِّسَالَةِ لَا يَتَعَلَّقُ حُكْمُهَا بِالْخَبَرِ. قِيلَ لَهُ: أَمَّا التَّوْحِيدُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ اعْتِقَادُهُ بِالدَّلَائِلِ الْمُوجِبَةِ لَهُ قَبْلَ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>