لَمْ يُقْطَعْ بِصِحَّةِ خَبَرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، إذَا قَرَّرْنَاهُ فِي أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ مَعَهُمْ، وَإِذَا كُنَّا قَدْ عَلِمْنَا بِاضْطِرَارٍ: أَنَّ رِوَايَاتِ الْأَفْرَادِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ قَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى صِدْقٍ فِيمَا أَخْبَرَتْ بِهِ وَرَوَتْهُ، ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْهُ الْحُكْمُ فِي بَعْضِ أُمُورِ الدِّينِ، يُخْبِرُ بِهِ الْخَاصَّ مِنْ النَّاسِ الَّذِي لَا يُوجِبُ نَقْلُهُ الْعِلْمَ بِصِحَّةِ مُخْبَرِهِ، وَلَا يُشِيعُهُ فِي سَائِرِ النَّاسِ، عَلَى مَا كَانَ يَحْدُثُ مِنْ الْحَوَادِثِ، وَيُبْلَى بِهَا خَوَاصُّ مِنْ النَّاسِ، فَيَكُونُ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهَا مَوْقُوفَةً عَلَى مَنْ بُلِيَ بِهَا، دُونَ كَافَّةِ النَّاسِ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ
فَلَوْلَا أَنَّ خَبَرَ ذَلِكَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِمُوجِبِ حُكْمِهِ، لَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ الْحُكْمَ مِنْ إشَاعَتِهِ وَإِظْهَارِهِ لِلنَّاسِ حَتَّى يَتَوَاتَرَ الْحُكْمُ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكِلَهُمْ إلَى اجْتِهَادِ رَأْيِهِمْ، مَعَ وُجُودِ النَّصِّ مِنْهُ فِي حُكْمٍ بِعَيْنِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا وَكَّلَهُمْ إلَى الْعَمَلِ بِالْخَبَرِ الَّذِي أَوْدَعَهُ الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ، وَمَنْ لَا يُوجِبُ خَبَرُهُ الْعِلْمَ.
وَمِنْ جِهَةِ الْإِجْمَاعِ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ، وَأَتْبَاعِهِمْ، فِي قَبُولِ الْأَخْبَارِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ.
وَاَلَّذِي نُبَيِّنُهُ مَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَأَخْبَارِ الْآحَادِ فِي ذَلِكَ، وَالْعَمَلِ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى قَائِلِهَا، وَلَا رَدَّ لَهَا.
وَقَدْ أَوْرَدَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ مِنْ ذَلِكَ جُمَلًا.
مِنْهَا: مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: كُنْت إذَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُ، وَإِذَا حَدَّثَنِي عَنْهُ غَيْرِي اسْتَحْلَفْته، فَإِنْ حَلَفَ صَدَّقْته، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ يُصَلِّي وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، إلَّا غَفَرَ لَهُ اللَّهُ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute