للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آرَائِهِمْ، وَعَارَضُوهَا بِنَظَرٍ لَوْ انْفَرَدَ عَنْ مُعَارَضَةِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ لَمَا أَمْكَنَهُمْ بِهِ تَصْحِيحُ مَقَالَتِهِمْ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى إجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى قَبُولِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَفَرُّدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِرِوَايَةِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ، وَدُعَاءُ النَّاسِ إلَى الْعَمَلِ بِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَنْكَرًا لَأَنْكَرُوهُ عَلَى رُوَاتِهَا، وَمَنَعُوهُمْ مِنْهَا، إذْ كَانُوا كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} [التوبة: ١١٢] .

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا الَّذِي رَوَيْته عَنْ الصَّحَابَةِ فِي تَثْبِيتِ إجْمَاعِهِمْ عَلَى قَبُولِ أَخْبَارِ الْآحَادِ: هُوَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، فَكَيْفَ جَعَلْته أَصْلًا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى خَصْمِك وَهُوَ نَفْسُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نُنَازِعُك فِيهَا.

قِيلَ لَهُ: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ نَقْلَ ذَلِكَ وَظُهُورَهُ فِي الْأُمَّةِ وَتَلَقِّيَهُمْ إيَّاهُ بِالْقَبُولِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ.

وَالثَّانِي: أَنَّا قَدْ عَلِمْنَا يَقِينًا كَوْنَ ذَلِكَ وَوُجُودَهُ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنَّا الْقَطْعُ عَلَى صِحَّةِ كُلِّ خَبَرٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ، كَمَا قُلْنَا آنِفًا فِي أَخْبَارِ الْآحَادِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، (إلَّا) أَنَّهُ مَعْلُومٌ بِاضْطِرَارٍ: أَنَّهَا قَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى صِدْقٍ فِي بَعْضِ مُخْبَرَاتِهَا، وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْهُ بِعَيْنِهِ.

وَلَعَلِمْنَا بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي حَوَادِثِ الْمَسَائِلِ، وَإِنْ لَمْ نَقْطَعْ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فِيهَا.

وَقَدْ اسْتَدَلَّ عِيسَى بْنُ أَبَانَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا: بِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>