للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِينَ سَمِعَهُ يَقْرَأُ خِلَافَ قِرَاءَتِهِ، حَتَّى خَاصَمَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعُمَرَ: اقْرَأْ، فَقَرَأَ، فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ، ثُمَّ أَمَرَ هِشَامًا فَقَرَأَ، فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ» .

قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَأَوَّلُ مَا يُقَالُ فِي هَذَا: إنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَنْ قَالَ بِخَبَرِ الِاثْنَيْنِ إثْبَاتُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِنَقْلِ اثْنَيْنِ، حَتَّى يَبْلُغَ بِهِ أَقْصَاهُ، فَلَا يَصِحُّ لَهُ إذًا الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي دَفْعِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَاعْتِبَارِ الِاثْنَيْنِ.

فَإِنْ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إثْبَاتُهَا بِنَقْلِ اثْنَيْنِ عَنْ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهَا أَخْبَارٌ مَشْهُورَةٌ، فَيَجُوزُ إثْبَاتُهَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.

قِيلَ لَهُ: فَإِذَا كَانَتْ أَخْبَارًا وَارِدَةً مِنْ جِهَةِ الْآحَادِ وَقَدْ قَبِلَتْهَا الْأُمَّةُ وَأَثْبَتَتْهَا، فَهَلَّا اسْتَدْلَلْتَ بِذَلِكَ: عَلَى أَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ أَخْبَارَ الْآحَادِ؟ وَأَنَّهَا لَمْ تَعْتَبِرْ رِوَايَةَ الِاثْنَيْنِ؟ ثُمَّ نَقُولُ مَعَ ذَلِكَ: إنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ قَبُولَ أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَإِنَّمَا كَأَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ دَلَالَةً عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ يَرَى قَبُولَ الْأَخْبَارِ كُلِّهَا، وَلَا يَرَى رَدَّهَا لِعِلَلٍ تُوجِبُ رَدَّهَا.

فَأَمَّا مَنْ اعْتَبَرَ فِي قَبُولِ أَخْبَارِ الْآحَادِ شَرَائِطَ مَتَى خَرَجَتْ عَنْهَا لَمْ تُوجِبْ قَبُولَهَا، فَقَوْلُهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ السَّلَفِ، وَلَيْسَ فِي رَدِّ السَّلَفِ لِبَعْضِ الْأَخْبَارِ مَا يُوجِبُ خِلَافَ قَوْلِهِ، وَكُلُّ خَبَرٍ مِنْ ذَلِكَ رَدُّوهُ فَهُوَ مِنْ الْقَبِيلِ الَّذِي يَجِبُ رَدُّهُ لِلْعِلَلِ الَّتِي يَجِبُ بِهَا رَدُّ الْآحَادِ، كَمَا تُرَدُّ شَهَادَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>