للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا خَبَرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَإِنَّمَا رَدَّهُ عُمَرُ، لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ خِلَافَ الْكِتَابِ، فِي إبْطَالِهِ السُّكْنَى، وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْنَا فِي الْكِتَابِ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: ٦] .

فَلَمَّا كَانَ عِنْدَهُ: أَنَّهَا قَدْ أَوْهَمَتْ فِي خَبَرِهَا فِي إبْطَالِ السُّكْنَى، وَكَانَتْ النَّفَقَةُ بِمَنْزِلَةِ السُّكْنَى - لَمْ يَقْبَلْ خَبَرَهَا، وَسَوَّغَ الِاجْتِهَادَ فِي رَدِّهِ.

وَعَلَى أَنَّهُ: قَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ " أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ: لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ» رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَإِنَّمَا رَدَّ خَبَرَهَا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، لَا لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ عُمَرَ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي رَدِّ خَبَرِهَا: أَنَّهُ لَا يَدْرِي صَدَقَتْهُ أَمْ كَذَبَتْ. فَإِنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ فِي الِاعْتِلَالِ لِرَدِّهِ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا، وَلَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا، لِخَبَرِ مَنْ يَجُوزُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ فِي خَبَرِهِ، وَمَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ فَهُوَ حَقٌّ وَصِدْقٌ، لَا يَسَعُ الشَّكُّ فِيهِ.

وَكَذَلِكَ مَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَكَذَلِكَ نَقُولُ: إنَّ أَخْبَارَ الْآحَادِ لَا يُعْتَرَضُ بِهَا عَلَى الْكِتَابِ، وَلَا عَلَى السُّنَنِ الثَّابِتَةِ مِنْ طَرِيقِ الْيَقِينِ، وَعَلَى أَنَّ جَوَازَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ عَلَى الْمُخْبِرِ بِانْفِرَادِهِ لَوْ كَانَ عِلَّةً لِرَدِّهِ - لَوَجَبَ رَدُّ خَبَرِ الِاثْنَيْنِ أَيْضًا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَلَوَجَبَ رَدُّ الشَّهَادَاتِ كُلِّهَا أَيْضًا لِذَلِكَ.

وَأَمَّا رَدُّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ خَبَرَ عُثْمَانَ فِي رَدِّ الْحَكَمِ بْنِ الْعَاصِ إلَى الْمَدِينَةِ - فَإِنَّ عُثْمَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>