للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَكَى بَعْضُ مَنْ لَا يَرْجِعُ إلَى دِينٍ، وَلَا مُرُوءَةٍ، وَلَا يَخْشَى مِنْ الْبَهْتِ وَالْكَذِبِ: أَنَّ عِيسَى بْنَ أَبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - طَعَنَ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَنَّهُ رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - أَنَّهُ قَالَ: " سَمِعْت النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ: إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي ثَلَاثُونَ دَجَّالًا، وَأَنَا أَشْهَدُ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ مِنْهُمْ وَهَذَا كَذِبٌ مِنْهُ عَلَى عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ -، مَا قَالَهُ عِيسَى، وَلَا رَوَاهُ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا أَرَدْنَا بِمَا ذَكَرْنَا: أَنْ نُبَيِّنَ عَنْ كَذِبِ هَذَا الْقَائِلِ، وَبَهْتِهِ، وَقِلَّةِ دِينِهِ.

بَلْ الَّذِي ذَكَرَ عِيسَى فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ: هُوَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، مَعَ تَقْدِيمِهِ الْقَوْلَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كُتُبِهِ بِأَنَّهُ عَدْلٌ، مَقْبُولُ الْقَوْلِ وَالرِّوَايَةِ، غَيْرُ مُتَّهَمٍ بِالتَّقَوُّلِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّ الْوَهْمَ وَالْغَلَطَ لِكُلِّ بَنِي آدَمَ مِنْهُ نَصِيبٌ، فَمَنْ أَظْهَرَ مِنْ السَّلَفِ تَثَبُّتًا فِي رِوَايَةٍ تَثَبَّتْنَا فِيهَا، وَاعْتَبَرْنَاهَا بِمَا وَصَفْنَا.

فَإِنْ قِيلَ، قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: " يَزْعُمُونَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي كُنْت امْرَأً مِسْكِينًا، أَصْحَبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمْ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَإِنِّي شَهِدْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجْلِسًا وَهُوَ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: «مَنْ يَبْسُطُ رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي، ثُمَّ يَقْبِضُهُ إلَيْهِ، وَلَا يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي، فَبَسَطْت بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيَّ، حَتَّى قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقَالَتَهُ، فَقَبَضْتهَا، فَمَا نَسِيت شَيْئًا بَعْدَهُ» سَمِعْته مِنْهُ.

وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَدْ حَفِظَ مَا سَمِعَهُ، وَقَدْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ رِوَايَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ رِوَايَاتِ غَيْرِهِ.

قِيلَ لَهُ: أَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهُمْ يَزْعُمُونَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ يَدُلُّ: عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا أَنْكَرُوا كَثْرَةَ رِوَايَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>