وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ عَلَى الْأَعْدَادِ الَّتِي لَا إشْكَالَ عَلَى أَحَدٍ فِي حُصُولِ الْمُرَادِ بِهِ قَبْلَ التَّأْكِيدِ. نَحْوُ قَوْلِك: أَخَذْتُ الْعَشَرَةَ كُلَّهَا وَقَبَضْتُهَا بِأَسْرِهَا وَلَمْ يُفِدْ زِيَادَةَ عَدَدٍ (عَلَى) مَا عَقَلْنَاهُ مِنْ اللَّفْظِ قَبْلَ دُخُولِهِ، وَيَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِ الْمُفْرَدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ كَقَوْلِك رَأَيْت زَيْدًا نَفْسَهُ وَعَيْنَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّأْكِيدَ لَا يُفِيدُ زِيَادَةَ مَعْنًى فِي وُجُوبِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ. وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّأْكِيدُ يُفِيدُ زِيَادَةَ مَعْنًى عَلَى مَا اتَّصَلَ بِهِ لَمَا كَانَ تَأْكِيدًا، وَلَكَانَ حِينَئِذٍ كَلَامًا مُسْتَقْبَلًا مُفِيدًا بِنَفْسِهِ كَقَوْلِك: عَشَرَةٌ وَعَشَرَةٌ أُخْرَى فَلَمَّا صَحَّ أَنَّ لَفْظَ الْكُلِّ (وَ) الْجَمِيعِ إذَا اتَّصَلَا بِلَفْظِ الْعُمُومِ إنَّمَا يَصْحَبَانِهِ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ أَكْثَرَ مِنْ تَقْرِيرِ الْمَعْنَى الَّذِي أَفَادَنَاهُ لَفْظُ الْعُمُومِ.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ لَفْظُ الْكُلِّ وَالْجَمِيعِ إذَا دَخَلَا عَلَى الْعُمُومِ لَا يُفِيدَانِ زِيَادَةَ حُكْمٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي دُخُولِهِمَا. قِيلَ لَهُ: بَلْ فِيهِمَا أَكْبَرُ الْفَائِدَةِ، هُوَ تَأْكِيدُهُ وَتَقْرِيرُهُ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ كَمَا أَنَّ أَنْفُسَنَا وَجَمِيعَ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى دَلَائِلُ عَلَيْهِ وَمَوْصُولٌ إلَى الْعِلْمِ بِهِ. وَالْمُعْجِزَةُ الْوَاحِدَةُ وَالسُّورَةُ الْوَاحِدَةُ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ (نُبُوَّةِ) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا كَانَتْ مُوَصِّلَةً إلَى الْعِلْمِ بِهِ، وَقَدْ جَعَلَ مَعَ ذَلِكَ كُلَّ سُورَةٍ دَلَالَةً عَلَى نُبُوَّتِهِ، وَجَمِيعُ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى دَلَائِلُ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَحِكْمَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute