قَالَ: فَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ الزَّمَانِ: الْفَسَادُ وَالْكَذِبُ، لَمْ نَقْبَلْ فِيهِ إلَّا خَبَرَ مَنْ عَرَفْنَاهُ بِالْعَدَالَةِ، وَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ.
وَلَمْ أَرَ أَبَا الْحَسَنِ الْكَرْخِيَّ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرَاسِيلِ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ الْأَعْصَارِ. وَأَمَّا عِيسَى بْنُ أَبَانَ فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ أَرْسَلَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِنَا حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ - وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - فَإِنَّ مُرْسَلَهُ مَقْبُولٌ، كَمَا يُقْبَلُ مُسْنَدُهُ، وَمَنْ حَمَلَ عَنْهُ النَّاسُ الْحَدِيثَ الْمُسْنَدَ، وَلَمْ يَحْمِلُوا عَنْهُ الْمُرْسَلَ، فَإِنَّ مُرْسَلَهُ عِنْدَنَا مَوْقُوفٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَفَرَّقَ فِي أَهْلِ زَمَانِهِ: بَيْنَ مَنْ حَمَلَ عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ الْمُرْسَلَ، دُونَ مَنْ لَمْ يَحْمِلُوا عَنْهُ إلَّا الْمُسْنَدَ، وَاَلَّذِي يَعْنِي بِقَوْلِهِ: حَمَلَ عَنْهُ النَّاسُ، قَبُولَهُمْ لِحَدِيثِهِ، لَا سَمَاعَهُ، فَإِنَّ سَمَاعَ الْمُرْسَلِ وَغَيْرِ الْمُرْسَلِ جَائِزٌ.
وَقَالَ عِيسَى فِي كِتَابِهِ فِي الْمُجْمَلِ وَالْمُفَسَّرِ: الْمُرْسَلُ أَقْوَى عِنْدِي مِنْ الْمُسْنَدِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي، وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا: أَنَّ مُرْسَلَ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ مَقْبُولٌ، مَا لَمْ يَكُنْ الرَّاوِي مِمَّنْ يُرْسِلُ الْحَدِيثَ عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ، فَإِنَّ مَنْ اسْتَجَازَ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ، لَا لِمُسْنَدٍ وَلَا لِمُرْسَلٍ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا: أَنَّ ظَاهِرَ أَحْوَالِ النَّاسِ كَانَ فِي عَصْرِ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ الصَّلَاحُ وَالصِّدْقُ، لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ أَجْلِهِ كَانَ يَقُولُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلَّا مَجْلُودًا حَدًّا، مُجَرَّبًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute