وَأَيْضًا: فَإِنَّ سَامِعَ الْخَبَرِ يَجُوزُ لَهُ الْإِخْبَارُ بِهِ عَنْ رَاوِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ الرَّاوِي: ارْوِهِ عَنِّي، وَمَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: أَشْهَدُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ، فَيَحْمِلُهَا إيَّاهُ فَعَلِمْت بُطْلَانَ اعْتِبَارِ الْإِخْبَارِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الشَّاهِدَ إنَّمَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَقَدْ يُمْكِنُ الْحَاكِمَ: أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى مَعْرِفَةِ حَالِ الْمَشْهُودِ عَلَى شَهَادَتِهِ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْهُ. فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الْأَصْلِ إلَّا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِهِمْ، وَثُبُوتِ عَدَالَتِهِ عِنْدَهُمْ.
وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ الرُّوَاةِ فَلَا سَبِيلَ لَنَا إلَى الْعِلْمِ بِحَالِهِمْ إلَّا مِنْ جِهَةِ النَّاقِلِينَ عَنْهُمْ، فَكَانَ نَقْلُهُمْ وَإِرْسَالُهُمْ الْحَدِيثَ عَنْهُمْ تَعْدِيلًا مِنْهُمْ إيَّاهُمْ.
أَيْضًا: فَإِنَّ الشُّهُودَ إذَا رَجَعُوا إلَى شَهَادَتِهِمْ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ، يَلْحَقُهُمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ. فَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا عَلَى شُهُودِ الْأَصْلِ وَإِنْ رَجَعُوا.
وَمِنْهُمْ: مَنْ يُوجِبُهُ عَلَيْهِمْ. فَاحْتَاجَ الْحَاكِمُ إلَى: أَنْ يَعْرِفَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ، لِكَيْ إذَا رَجَعُوا لَزِمَهُمْ حُكْمُ مَا يُوجِبُهُ إشْهَادُهُمْ غَيْرَهُمْ عَلَى شَهَادَتِهِمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي الْأَخْبَارِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِأَعْيَانِهِمْ، إنْ كَانَتْ رِوَايَةُ الْأَئِمَّةِ عَنْهُمْ تَعْدِيلًا مِنْهُمْ لَهُمْ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي قَبُولِ الْأَخْبَارِ.
دَلِيلٌ آخَرُ: وَهُوَ اتِّفَاقٌ. قَدْ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى: قَبُولِ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَمَاعًا، إذَا كَانَ مِمَّنْ قَدْ لَقِيَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُرْسَلُ غَيْرَ مَقْبُولٍ - لَمَا جَازَ: قَبُولُ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ، إذْ لَيْسَ فِيهِ سَمَاعٌ لَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ: أَنَّ مَنْ رَوَى عَمَّنْ لَقِيَهُ: أَنَّهُ سَمَاعٌ حَتَّى يَثْبُتَ غَيْرُهُ. قِيلَ لَهُ: وَلِمَ قُلْت ذَلِكَ؟ بَلْ الظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَرْوِي عَنْهُ سَمَاعًا تَارَةً، وَيَرْوِيهِ تَارَةً سَمَاعًا مِنْ غَيْرِهِ عَنْهُ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الظَّاهِرَ: أَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ الْحَدِيثَ إلَّا عَنْ عَدْلٍ حَتَّى يَثْبُتَ غَيْرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: يَحْتَاجُ أَنْ يَثْبُتَ: أَنَّهُ عَدْلٌ عِنْدِي. قِيلَ لَهُ: وَيَحْتَاجُ: أَنْ يَثْبُتَ عِنْدِي: أَنَّهُ سَمَاعٌ، إذَا قَالَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute