وَرَوَى جَمَاعَةٌ غَيْرَهُ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ» .
وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْمُسْلِمِينَ، فَهَذَانِ الْخَبَرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ، فَهُمَا مُسْتَعْمَلَانِ جَمِيعًا، وَلَا يَجُوزُ لَنَا حَمْلُ الْخَبَرِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْخَبَرِ الْمُقَيَّدِ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ مَا وَصَفْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ قَالَ هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً.
وَنَظِيرُهُ أَيْضًا: مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُقْبَضَ» .
وَرُوِيَ فِي أَخْبَارٍ أُخَرَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ» فَاسْتَعْمَلَ الْخَبَرَيْنِ، وَلَمْ يُحْمَلْ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّهُمَا خَبَرٌ وَاحِدٌ حَذَفَ مِنْهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ ذِكْرَ الزِّيَادَةِ.
أَلَا تَرَى: «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَمَرَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ مُبْتَدَأُ الْقَوْلِ مُطْلَقًا حِينَ بَعَثَهُ إلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: انْهَهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَرِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، وَعَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا خَبَرَانِ قَدْ قَالَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَقْتَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: مَسَحَ بِبَعْضِ رَأْسِهِ» ، وَفِي خَبَرٍ آخَرَ «أَنَّهُ مَسَحَ بِجَمِيعِ رَأْسِهِ» ، فَهَلَّا أَثْبَتَ الزِّيَادَةَ ".
قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ ثَابِتَةٌ عِنْدَنَا، إلَّا أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَتْرُكُ الْمَفْرُوضَ بِحَالٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ الْمَنْدُوبَ فِي حَالٍ، وَيَتْرُكَهُ فِي آخَرَ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمِقْدَارِ الْمَفْرُوضِ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ، وَإِذَا رَوَى بَعْضُ الصَّحَابَةِ حَدِيثًا رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثُمَّ رُوِيَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ عَنْ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا غَيْرُ مُفْسِدٍ لِرِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا، بَلْ هُوَ مِمَّا يُؤَكِّدُ رِوَايَتَهُ الَّتِي رَوَاهَا عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute