للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهِ قَوْله تَعَالَى {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣] وَالْفِعْلُ يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْ شَأْنِهِ وَطَرِيقَتِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: ٩٧] وَقَالَ تَعَالَى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: ٣٨] وَقَالَ تَعَالَى {قُلْ إنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: ١٥٤] وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ تَضَمَّنَ قَوْله تَعَالَى {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: ٦٣] . النَّهْيَ عَنْ مُخَالَفَتِهِ: فِي شَأْنِهِ، وَطَرِيقَتِهِ، وَأَفْعَالِهِ، وَأَحْوَالِهِ فِيهِ.

قِيلَ لَهُ: أَوَّلُ مَا فِي هَذَا: أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْأَمْرِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْأَمْرَ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْقَائِلِ: افْعَلْ، وَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ، إلَّا عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْأَمْرِ لَا يَنْتَفِي عَنْ هَذَا الْقَوْلِ، إذَا أُرِيدَ بِهِ إلْزَامُ الْفِعْلِ بِحَالٍ، وَيَنْتَفِي لَفْظُ الْأَمْرِ عَنْ الْفِعْلِ بِأَنْ يُقَالَ: الْفِعْلُ لَيْسَ بِأَمْرٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ.

أَلَا تَرَى: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ، وَيَعْطِفَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَيَقُولَ: فِعْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ الْفِعْلُ أَمْرًا عَلَى الْحَقِيقَةِ - لَجَازَ أَنْ يُقَالَ: لِكُلِّ فِعْلٍ أَمْرٌ، وَلَجَازَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ صَلَاتَنَا أَمْرٌ، وَقُعُودَنَا، وَأَكْلَنَا، وَشُرْبَنَا، أَمْرٌ.

وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا: أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي فِي مُقَابَلَةِ الْأَمْرِ - وَهُوَ النَّهْيُ - إنَّمَا يَكُونُ قَوْلًا لَا فِعْلًا، فَكَذَلِكَ ضِدُّهُ، وَمَا فِي مُقَابَلَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلًا.

وَأَيْضًا: فَلَوْ صَحَّ أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ يَتَنَاوَلُ الْفِعْلَ لَمَا كَانَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْت، لِأَنَّ الضَّمِيرَ الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى: (عَنْ أَمْرِهِ) رَاجِعٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ حُكْمَ الْكِنَايَةِ أَنْ تَرْجِعَ إلَى مَا يَلِيهَا، وَلَا تَرْجِعُ إلَى مَا تَقَدَّمَ إلَّا بِدَلَالَةٍ، فَلَمَّا كَانَ الَّذِي يَلِي الْكِنَايَةَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ قَالَ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} [النور: ٦٣] وَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>