للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ جُعِلَ لَهُ أَنْ يَقُولَ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ: قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] عُمُومُهُ يَقْتَضِي جَوَازَ الِاسْتِنْبَاطِ مِنْ جَمَاعَةِ الْمَرْدُودِ إلَيْهِمْ، وَفِيهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا: قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَجَلِّهِمْ وَيَدُلَّ عَلَيْهِ مَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قِصَّةِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، ثُمَّ قَالَ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٩] وَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا كَانَ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، لِأَنَّهُمَا لَوْ حَكَمَا مِنْ طَرِيقِ النَّصِّ لَمَا خُصَّ سُلَيْمَانَ بِالْفَهْمِ فِيهَا دُونَ دَاوُد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -.

وَيَدُلُّ عَلَيْهَا أَيْضًا: أَنَّ دَرَجَةَ الْمُسْتَنْبِطِينَ أَفْضَلُ دَرَجَاتِ الْعُلُومِ، أَلَا تَرَى: أَنَّ الْمُسْتَنْبِطَ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْ الْحَافِظِ غَيْرِ الْمُسْتَنْبِطِ، فَلَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَحْرِمَ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَفْضَلَ دَرَجَاتِ الْعِلْمِ الَّتِي هِيَ دَرَجَةُ الِاسْتِنْبَاطِ.

وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَيْهِ: قَوْله تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] وَلَا يَخْلُو الْمَعْنَى فِيهِ: مِنْ أَنْ يَكُونَ مُشَاوَرَتُهُ إيَّاهُمْ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ تَطَيُّبًا لِنُفُوسِهِمْ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ، فَأَمَرَ بِمُشَاوَرَتِهِمْ لِيُقَرِّبَ وَجْهَ الرَّأْيِ فِيهِ، وَلِيَزْدَادَ (بَصِيرَةً فِي رَأْيِهِ إنْ) كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>