يَعْنِي: هُمْ عُدُولٌ. فَلَمَّا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْأُمَّةَ بِالْعَدَالَةِ اقْتَضَى ذَلِكَ: قَبُولَ قَوْلِهَا، وَصِحَّةَ مَذْهَبِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قَوْله تَعَالَى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣] ، فَجَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، كَمَا جُعِلَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ، وَلَا يَسْتَحِقُّونَ هَذِهِ الصِّفَةَ إلَّا وَقَوْلُهُمْ حُجَّةٌ، وَشَهَادَتُهُمْ مَقْبُولَةٌ، كَمَا أَنَّهُ (لَمَّا) وَصَفَ الرَّسُولُ بِأَنَّهُ شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣] أَفَادَ بِهِ: أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَشَهَادَتُهُ صَحِيحَةٌ.
وَنَظِيرُ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا مَذْكُورٌ فِي قَوْله تَعَالَى {هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج: ٧٨] فَثَبَتَ: أَنَّهَا إذَا قَالَتْ قَوْلًا فِي الشَّرِيعَةِ لَزِمَ مَنْ بَعْدَهَا، وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهَا.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَوَاجِبٌ (عَلَى) هَذَا أَنْ يُحْكَمَ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ بِالْعَدَالَةِ، حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهَا مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ، بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَيُجْعَلَ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُجَّةً.
قِيلَ لَهُ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَحْكُمْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ (بِالْعَدَالَةِ فِي عَيْنِهِ) وَإِنَّمَا حَكَمَ بِهَا لِجَمَاعَةِ الْأُمَّةِ، وَأَفَادَ: أَنَّ جَمَاعَتَهَا تَشْتَمِلُ عَلَى جَمَاعَةٍ لَا تَقُولُ إلَّا الْحَقَّ، فَيَكُونُ (قَوْلُهُمْ) حُجَّةً عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ. وَيَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ وَصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِيَالِهِ بِالْعَدَالَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَك حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة: ٥٥] وَمَعْنَاهُ: أَنَّ قَوْمًا مِنْكُمْ قَالُوهُ. وَكَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} [البقرة: ٧٢] وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ قَتَلَهَا بَعْضُكُمْ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣] مَعْنَاهُ جَعَلْنَا مِنْكُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute