صِحَّةَ احْتِجَاجِهِ بِهَا، وَإِبَانَتِهِ عَنْ مَوْضِعِ الدَّلَالَةِ مِنْهَا، عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ، فَرَجَعُوا إلَى قَوْلِهِ، وَتَابَعُوهُ عَلَى رَأْيِهِ.
وَنَحْوُ إجْمَاعِهِمْ: عَلَى أَنَّ عَمَّةَ الْأَبِ وَخَالَتَهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ عَمَّةُ أُمِّهِ وَخَالَتُهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الْمَنْصُوصِ فِي تَحْرِيمِهِ: الْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ، ثُمَّ كَانَتْ أُمُّ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ فِي التَّحْرِيمِ، كَذَلِكَ عَمَّةُ الْأَبِ وَخَالَتُهُ بِمَنْزِلَةِ عَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ، وَنَحْوُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِلصَّحَابَةِ حِينَ خَالَفُوهُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ: لَأُقَاتِلَن مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: قَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» . فَقَالَ: إنَّمَا قَالَ: عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَهَذَا مِنْ حَقِّهَا فَعَرَفَ الْجَمِيعُ صِحَّةَ اسْتِخْرَاجِهِ لِمَعْنَى التَّوْقِيفِ، (وَرَجَعُوا إلَى قَوْلِهِ. وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ وَرَدَ فِيهِ، وَلَا اسْتِخْرَاجِ مَعْنَى التَّوْقِيفِ)
فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ كَانَ تَوْقِيفًا، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادًا، نَحْوُ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ لِلْجَدَّتَيْنِ: أُمِّ الْأُمِّ، وَأُمِّ الْأَبِ، إذَا اجْتَمَعَتَا السُّدُسَ، وَأَنَّ لِبِنْتِ الِابْنِ نِصْفَ الْمِيرَاث إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدُ الصُّلْبِ.
وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى تَأْجِيلِ امْرَأَةِ الْعِنِّينِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَوْقِيفٌ، وَالْأَغْلَبُ مِنْ أَمْرِهِ: أَنَّهُ عَنْ اجْتِهَادٍ، وَكَذَلِكَ اتِّفَاقُهُمْ: عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ عَلَى نِصْفٍ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، مَعَ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] وَأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ: كَالْوِلَادَةِ وَنَحْوِهَا. وَمِمَّا عَلِمْنَا وُقُوعَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ: حَدُّ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ شَاوَرَ الصَّحَابَةَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ فَقَالَ عَلِيٌّ: " إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَحَدُّ الْفِرْيَةِ ثَمَانُونَ " وَكَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَقَالَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (مَا أَحَدٌ أُقِيمُ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute