وَالدَّلِيلُ (عَلَى) ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ عَاتَبَهُ فِي أَسَارَى بَدْرٍ، وَأَنْزَلَ {لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: ٦٨] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {عَفَا اللَّهُ عَنْك لِمَ أَذِنْت لَهُمْ} [التوبة: ٤٣] وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ.
فَلَمَّا امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُ الْأُمَّةِ أَفْضَلَ مِنْ اجْتِهَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَازَ عَلَيْهِ وُقُوعُ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ الْخَطَأِ عَلَى الْأُمَّةِ فِيمَا نَقُولُ مِنْ طَرِيقِ الرَّأْيِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ أَجَبْت عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ اجْتِهَادَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقَعُ فِيهِ خَطَأٌ، لِأَنَّ مَعَاصِيَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَلَوْ كَانَتْ صَغَائِرَ - مَغْفُورَةٌ، فَغَيْرُ جَائِزٍ وُقُوعُهَا فِي شَيْءٍ يَظْهَرُ لِلنَّاسِ، وَيَلْزَمُهُمْ فِيهِ الِاتِّبَاعُ وَالِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ ظَهَرَتْ مَعَاصِي الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - (لِلنَّاسِ) لَكَانَ فِيهِ تَنْفِيرٌ عَنْ الطَّاعَةِ، وَإِيحَاشٌ عَنْ السُّكُونِ وَالطُّمَأْنِينَةِ إلَى صِحَّةِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَجَابَ: إنَّا نَقُولُ: إنَّ اجْتِهَادَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ اجْتِهَادِ الْأُمَّةِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ اجْتِهَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَفْسِهِ، وَلَا نَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ اجْتِهَادَهُ أَفْضَلُ مِنْ اجْتِهَادِ الْأُمَّةِ مُجْتَمِعَةً، كَمَا نَقُولُ: إنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْأُمَّةِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: إنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَفْسِهِ، لَا أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَوَاتِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ بِأَسْرِهَا مُجْتَمِعَةً، وَكَمَا نَقُولُ: فُلَانٌ أَقْوَى مِنْ إخْوَةِ فُلَانٍ وَهُمْ عَشْرَةٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَقْوَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَفْسِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute