للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُوَافَقَتِهِ إيَّاهُمْ، فَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ انْعَقَدَ، وَثَبَتَتْ حُجَّتُهُ فَلَا يُنْقِضُهُ خِلَافُ مَنْ خَالَفَهُمْ بَعْدَ مُوَافَقَتِهِ لَهُمْ.

فَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ إجْمَاعٌ مِنْ جَمِيعِهِمْ، فَلَمْ يَثْبُتْ هُنَاكَ حُجَّةٌ مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَاعِ، فَلِذَلِكَ جَازَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مُخَالَفَتُهُ.

قَالَ: وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ لَمْ يَكُنْ يَدْعُو النَّاسَ إلَى تَقْلِيدِهِ وَاتِّبَاعِ قَوْلِهِ.

(أَلَا تَرَى: أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَصَبْت الْحَقَّ، أَوْ كَلَامًا نَحْوَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ مَا يَدْرِي عُمَرُ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ، وَلَكِنْ لَمْ آلُ عَنْ الْحَقِّ) وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فِي قَضِيَّةٍ قَضَى بِهَا (فِي الْجَدِّ) : لَيْسَ رَأْيِي حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فِي نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ، فِي نَفْيِ لُزُومِ تَقْلِيدِهِمْ.

فَإِذَا لَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ وُجُوبَ تَقْلِيدِهِمْ عَلَى النَّاسِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُقَلِّدَهُمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا يَحْتَمِلُ: أَنْ يَكُونَ الصَّحَابَةُ إنَّمَا مَنَعَتْ وُجُوبَ تَقْلِيدِهِمْ لِأَهْلِ عَصْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ، أَوْ أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَهُمْ فَأَخْبَرُوا: أَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُ أَحَدٌ أَنْ يُقَلِّدَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ فِيهَا، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ النَّظَرُ وَالِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِ الْحُكْمِ دُونَ التَّقْلِيدِ.

وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ يَرَى قَبُولَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ، (لَازِمًا) فِي الْمَقَادِيرِ الَّتِي لَا سَبِيلَ إلَى إثْبَاتِهَا مِنْ طَرِيقِ الْمَقَايِيسِ، وَالِاجْتِهَادِ.

وَيُعْزِي ذَلِكَ إلَى أَصْحَابِنَا، وَيَذْكُرُ مَسَائِلَ قَالُوا فِيهَا بِتَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ وَلُزُومِ قَبُولِ قَوْلِهِ، نَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَمَا رُوِيَ عَنْهُ (إذَا قَعَدَ الرَّجُلُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) وَنَحْوُ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ: أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ، وَأَنَّ أَكْثَرَهُ عَشَرَةٌ (وَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَغَيْرِهِ (فِي أَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>