للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَارَةً لِلْحُكْمِ، فَجَائِزٌ أَنْ تُجْعَلَ أَمَارَةً لَهُ فِي حَالٍ، وَلَا تُجْعَلَ أَمَارَةً لَهُ فِي أُخْرَى. كَذَلِكَ عِلَلُ الشَّرْعِ الَّتِي يَقَعُ عَلَيْهَا الْقِيَاسُ هَذِهِ سَبِيلُهَا.

وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ: فَهُوَ بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِيمَا يَقْصِدُهُ الْمُجْتَهِدُ (وَ) يَتَحَرَّاهُ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ اخْتَصَّ فِي الْعُرْفِ بِأَحْكَامِ الْحَوَادِثِ الَّتِي لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا دَلِيلٌ قَائِمٌ يُوصِلُ إلَى الْعِلْمِ بِالْمَطْلُوبِ مِنْهَا، لِأَنَّ مَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (عَلَيْهِ) دَلِيلٌ قَائِمٌ، لَا يُسَمَّى الِاسْتِدْلَال فِي طَلَبِهِ اجْتِهَادًا أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ: إنَّ عِلْمَ التَّوْحِيدِ وَتَصْدِيقَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَابِ الِاجْتِهَادِ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَائِمٌ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، لَا يُقَالُ: إنَّهُ مِنْ بَابِ الِاجْتِهَادِ، لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ اسْمٌ قَدْ اخْتَصَّ فِي الْعُرْفِ وَفِي عَادَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، بِمَا كُلِّفَ الْإِنْسَانُ فِيهِ غَالِبَ ظَنِّهِ، وَمَبْلَغَ اجْتِهَادِهِ، دُونَ إصَابَةِ الْمَطْلُوبِ بِعَيْنِهِ، فَإِذَا اجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ، فَقَدْ أَدَّى مَا كُلِّفَ، وَهُوَ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ غَالِبُ ظَنِّهِ، وَعِلْمُ التَّوْحِيدِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ، مِمَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ دَلَائِلُ قَائِمَةٌ كُلِّفْنَا بِهَا: إصَابَةَ الْحَقِيقَةِ، لِظُهُورِ دَلَائِلِهِ، وَوُضُوحِ آيَاتِهِ. وَاسْمُ الِاجْتِهَادِ فِي الشَّرْعِ يَنْتَظِمُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: الْقِيَاسُ الشَّرْعِيُّ عَلَى عِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ، أَوْ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا، فَيُرَدُّ بِهَا الْفَرْعُ إلَى أَصْلِهِ، وَتَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِهِ بِالْمَعْنَى الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا. وَإِنَّمَا صَارَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاجْتِهَادِ - وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا - مِنْ قِبَلِ أَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ لِجَوَازِ وُجُودِهَا عَارِيَّةً (مِنْهُ) وَكَانَتْ كَالْأَمَارَةِ، وَكَانَ طَرِيقُ إثْبَاتِهَا عَلَامَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>