للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنهار لآيات لأولى الألباب) وغير ذلك من النصوص التي تبين أنه خالق الزمان.

ولا يتوهم عاقل أن الله هو الزمان فإن الزمان مقدار الحركة والحركة مقدارها من باب الأعراض والصفات القائمة بغيرها: كالحركة والسكون والسواد والبياض.

ولا يقول عاقل أن خالق العالم هو من باب الأعراض والصفات المفتقرة إلى الجواهر والأعيان، فإن الأعراض لا تقوم بنفسها، بل هي مفتقرة إلى محل تقوم به، والمفتقر إلى ما يغايره لا يوجد بنفسه، بل بذلك الغير فهو محتاج إلى ما به في نفسه من غيره فكيف يكون هو الخالق؟

ثم أن يستغني بنفسه، وأن يحتاج إليه ما سواه، وهذه صفة الخالق سبحانه، فكيف يتوهم أنه من النوع الأول. وأهل الإلحاد - القائلون بالوحدة أو الحلول أو الاتحاد - لا يقولون أنه هو الزمان، ولا أنه من جنس الأعراض والصفات، بل يقولون هو مجموع العالم، أو حال في مجموع العالم.

فليس في الحديث شبهة لهم، لو لم يكن قد بين فيه انه - سبحانه -

مقلب الليل والنهار، فكيف وفي نفس الحديث أنه بيده الأمر يقلب الليل والنهار.

إذا تبين هذا: فللناس في الحديث قولان معروفان لأصحاب أحمد وغيرهم.

أحدهما: وهو قول أبي عبيد وأكثر العلماء أن هذا الحديث خرج الكلام فيه لرد ما يقوله أهل الجاهلية، ومن أشبههم، فإنهم إذا أصابتهم مصيبة أو منعوا أغراضهم أخذوا يسبون الدهر والزمان، يقول أحدهم قبح الله الدهر الذي شتت شملنا، ولعن الله الزمان الذي جرى فيه كذا وكذا.

وكثيراً ما جرى من كلام الشعراء وأمثالهم نحو هذا، كقولهم: يا دهر فعلت كذا. وهم يقصدون سب من فعل تلك الأمور، ويضيفونها إلى الدهر، فيقع السب على الله تعالى: لأنه هو الذي فعل تلك الأمور وأحدثها والدهر مخلوق له، هو الذي يقلبه ويصرفه ٠

<<  <   >  >>