للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتقدير: أن أبن آدم يسب من فعل هذه الأمور وأنا فعلتها فإذا سب الدهر فمقصوده سب الفاعل وإن أضاف الفعل إلى الدهر، فالدهر لا فعل له، وإنما الفاعل هو الله وحده.

وهذا كرجل قضى عليه قاض بحق أو أفتاه مفت بحق، فجعل يقول: لعن الله من قضى بهذا أو أفتى بهذا، ويكون ذلك من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم وفتياه فيقع السب عليه، وإن كان الساب - لجهله - أضاف الأمر إلي المبلغ في الحقيقة، والمبلغ له فعل من التبليغ بخلاف الزمان فإن الله يقلبه ويصرفه.

والقول الثاني: قول نعيم بن حماد، وطائفة معه من أهل الحديث

والصوفية: إن الدهر من أسماء الله تعالى ومعناه القديم الأزلي

ورووا في بعض الأدعية: يا دهر!! يا ديهور!! يا ديهار وهذا المعنى صحيح: لأن الله سبحانه هو الأول ليس قبله شيء، وهو الآخر ليس بعده شيء فهذا المعنى صحيح إنما النزاع في كونه يسمى دهراً بكل حال فقد اجمع المسلمون - وهو مما علم بالعقل الصريح - أن الله سبحانه وتعالى ليس هو الدهر الذي هو الزمان، أو ما يجرى مجرى الزمان فإن الناس متفقون على أن الزمان الذي هو الليل والنهار.

وكذلك ما يجرى ذلك مجرى ذلك في الجنة، كما قال تعالى: (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً) قالوا على مقدار البكرة والعشى في الدنيا و [في] الآخرة يوم الجمعة يوم المزيد والجنة ليس فيها شمس ولا قمر ولكن تعرف الأوقات بأنوار أُخر، قد روى أنها تظهر من تحت العرش، فالزمان هنالك مقدار الحركة التي بها تظهر تلك الأنوار.

وهل وراء ذلك جوهر قائم بنفسه سيال هو الدهر؟ هذا مما تنازع فيه الناس فأثبته طائفة من المتفلسفة من أصحاب أفلاطون، كما أثبتوا الكليات المجردة في الخارج التي تسمى المثل الأفلاطونية (١)


(١) المثل الأفلاطونية هي أكثر المذاهب الفلسفية شيوعاً وهي حقائق كلية ثابتة موجودة بالفعل في رأى أفلاطون - وجوداً خارجياً في عالم غير محسوس وأنه هو الأصل وأما =

<<  <   >  >>