للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك، ولا نسياه، ولا تعمدا إعناتنا بترك بيانه {وما كان ربك نسيا} [مريم: ٦٤] وكل شريعة لم يأت بها القرآن، ولا السنة فهي باطل.

وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" فصح أن ما فات فلا سبيل إلى إدراكه، ولو أدرك أو أمكن أن يدرك، لما فات، كما لا تفوت المنسية أبدا، وهذا لا إشكال فيه، والأمة أيضا كلها مجمعة على القول والحكم بأن الصلاة قد فاتت إذا خرج وقتها، فصح فوتها بإجماع متيقن، ولو أمكن قضاؤها وتأديتها لكان القول بأنها فاتت كذبا وباطلا.

فثبت يقينا أنه لا يمكن القضاء فيها أبدا.

وممن قال بقولنا في هذا عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وسعد بن أبي وقاص، وسليمان، وابن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وبديل العقيلي، ومحمد بن سيرين، ومطرف بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم.

فروينا من طريق شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن عبد الله بن حراش، قال: "رأى ابن عمر رجلا يقرأ صحيفة، فقال له: يا هذا القارئ، إنه لا صلاة، لمن لم يصل الصلاة لوقتها، فصل ثم اقرأ ما بدا لك" (١).

وروينا من طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن عمه الضحاك بن عثمان، أن عمر بن الخطاب، قال في خطبته بالجابية: "ألا، وإن الصلاة لها وقت شرطه الله لا تصلح إلا به" (٢).

ومن طريق محمد بن المثنى، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري عن أبي نضرة، عن سالم بن الجعد، قال: قال سليمان (٣) - هو صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصلاة مكيال، فمن وفى وفي له، ومن طفف فقد علمتم ما قيل في المطففين" (٤).

قال علي: من أخر الصلاة عن وقتها فقد طفف.

ومن طريق وكيع، عن سفيان الثوري، عن عاصم بن أبي النجود، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه أنه قال: في قول الله تعالى: {الذين هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون: ٥] قال: "السهو الترك عن الوقت" (٥).

قال علي: لو أجزأت عنده بعد الوقت لما كان له الويل عن شيء قد أداه.


(١) للفائدة انظر ما ذكرته في الحاشية رقم (٤٨).
(٢) إسناده ضعيف - لم أجده إلا عنده، والضحاك بن عثمان لم يدرك عمر، قال الشيخ أحمد شاكر: "الضحاك بن عثمان اثنان: أحدهما (الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد بن الأسد) وهذا ليس مرادا هنا فإنه قديم وليس عما لإبراهيم بل هو عم جده، وإنما المراد هنا حفيد الأول وهو (الضحاك بن عثمان بن الضحاك) وهو من أصحاب مالك، وليس عم ابراهيم بن المنذر لحا، وانما هو عمه كلالة، لإن ابراهيم هو ابن المنذر بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد وهو معروف بالرواية عن الضحاك الثاني الحفيد، وعلى كل فهذا الاثر منقطع لإن الضحاك الأول مات سنة ١٥٣، والثاني مات سنة ١٨٠ فلم يدرك واحدٌ منهما عمر".
(٣) كذا في المطبوع وهو تحريف، وصوابه (سلمان)، ولم ينبّه عليه الشيخ أحمد شاكر!
(٤) إسناده ضعيف - أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٣٧٥٠)، والدولابي في "الكنى" (١٩٢٧)، والبيهقي ٢/ ٢٩١، وفي "الشعب" (٢٨٨١) عن السفيانيين، وابن أبي شيبة ١/ ٢٩٠ حدثنا ابن فضيل، ثلاثتهم عن أبي نصر، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال سلمان: فذكره.
وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه منقطع، سالم بن أبي الجعد الكوفي لم يلق سلمان رضي الله عنه.
(٥) صحيح - أخرجه ابن أبي شيبة ١/ ٣١٦، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم ابن أبي النجود، عن مصعب بن سعد، عن سعد، قال:
"السهو: الترك عن الوقت".
وأخرجه الطبري في "التفسير" ٢٤/ ٦٦٠ - طبعة هجر: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن مصعب بن سعد {الذين هم عن صلاتهم ساهون}
قال: فذكره، ليس فيه سعد!
وأخرجه أبو يعلى (٧٠٥) من طريق صالح بن عمر، حدثنا حاتم، عن سماك، عن مصعب، قال: سألت أبي سعدا فقلت: يا أبه {الذين هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون: ٥] أسهو أحدنا في صلاته حديث نفسه؟ قال سعد: أوليس كلنا يفعل ذلك؟ ولكن الساهي عن صلاته الذي يصليها لغير وقتها، فذلك الساهي عنها".
قال مصعب مرة أخرى: تركه الصلاة في مواقيتها.
وأخرجه عبد الرزاق (٣٧١٤)، والبيهقي ٢/ ٢١٤ من طريقين عن طلحة بن مصرف، عن مصعب بن سعد، قال: "سئل سعد، عن قوله تعالى {الذين هم عن صلاتهم ساهون}
[الماعون: ٥] قال: السهو عنها تركها لوقتها".
وجاء عن مصعب بن سعد، قال: "قلت: لأبي يا أبتا أرأيت قول الله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} أينا لا يسهو؟ أينا لا يحدث نفسه؟ قال: إنه ليس ذاك ولكنه إضاعة الوقت".
وإسناده حسن، تقدّم تخريجه انظر الحاشية رقم (٥).

<<  <   >  >>