واعلم أن الهمزة تحقق أولاً مفتوحة كانت أو مضمومة أو مكسورة، نحو همزة أب وأم وإبل، فإذا لم تكن أولاً فإنها لا تخلو من أن تكون ساكنة وما قبلها ساكن، أو متحركة وما قبلها متحرك، فإذا كانت ساكنة وما قبلها مفتوح، فإنه يبدل منها الألف إذا خففت، تقول في لم أقرأ: لم أقرا، وفي رأس: راس، فإذا كان ما قبلها مكسوراً فخففت، أبدل منها ياء، تقول في: لم أجيء، لم أجي، وفي: ذئب، ذيب، وإذا كان ما قبلها مضموم أبدل منها الواو، تقول في: لم أبوء، لم أبو، وفي جؤنة، جونة، وجيت، ونوت، إذا خففت، فهذا إذا كانت ساكنة وما قبلها متحرك، فإن كانت متحركة وما قبلها ساكن وحذفت هي تخفيفاً إذا لم يحقق في: كمءٌ، كمٌ، وفي مسألة، مسالة، وفي: مرأة، مرة، وقرئ في قوله تعالى:) الذي يخرج الخبّ (، وإنما هو العبء، والجزء، إذا خففت، هذا إذا كان الساكن الذي قبلها غير مدة، فإذا كانت مدة فإنها لا تخلو من أن تكون ألفاً، وحكم الهمزة بعدها إذا خففت أن تجعل بين بين، ومعنى ذلك أن تخرج الهمزة بين الحرف الذي حركتها منه، وبين نفسها، فإذا كانت حركتها كسرة أخرجت بين الياء والهمزة، على ذلك: قايل، وبايع، وما أشبههما، تقول إذا حققت الهمزة: بائع، وقائل، وإن كانت ضمة أخرجت بين الواو والهمزة نحو: التساؤل، وإن كانت فتحة أخرجت بين الألف والهمزة نحو: سأل، تقول إذا خففت: سال، وكذلك قولك: السماء فوقي، ومن السماء نزل، وهذا لا يحكمها إلاّ المشافهة، فإن كانت المدّة التي قبلها ياء مكسوراً ما قبلها، أو واو مضموماً ما قبله وأريد تخفيف الهمزة التي بعدها، أبدلت منها بعد الواو واواً، وبعد الياء ياء، ثم أدغمت ما قبلها فيها، تقول في خطيئة خطيّة، وفي بريء بريّ، وفي مشنوء ومقنوء، مشنو ومقنو، فإن كان ما قبلها ياء مفتوح ما قبله، أو واو مفتوح ما قبله، فإنه يجري الهمزة بعدها إذا خففت مجراها إذا كان قبلها واو مضموم ما قبلها، أو ياء مكسور ما قبلها في الإبدال والإدغام، تقول في مصغر أفؤس جمع فأس، وهو أُفيئس، وإذا خففت: أُفيّس، وكذلك إذا خففت: رأيت بقراً أو إبلاً، تقول: بقْرا أو بلاّ، فإن كانت الهمزة متحركة وما قبلها متحرك، فإنها تخرج إذا خففت بين بين، وإذا كانت مفتوحة وقبلها كسرة أو ضمة فإنها تجعل ياء خالصة، أو واواً خالصة، فالأول نحو قرأ ويقرأ، وسأل، ومئين، وضئين، وشؤون، ورؤوس، ودئل، وسئل، وتخرج الهمزة بين الألف والهمزة، وبين الواو والهمزة وبين الياء والهمزة، وأما قولهم: سالت في سألت، فإنما هو لغة، قال الشاعر:
سالتْ هذيلٌ رسولَ اللهِ فاحشةً ... ضلَّتْ هذيلٌ بما قالت ولم تُصبِ
والثاني نحو جؤن في جمع جونة، إذا خففت تقول: جُوْن، وفي مئَر جمع مئَر، فأما مثل قولهم: يستهزئون، فإن سيبويه يخفف همزتها بأن يجعلها بين بين، والأخفش يجعلها ياء خالصة لانكسار ما قبلها.
واعلم أن الهمزتين إذا اجتمعتا في كلمتين نحو: السفهاء ألا، فمنهم بعد من يحقق، ومنهم من يخفف الأولى منهما، حملاً على قولهم: دينار وقيراط من المضعف المبدل منه، ومنهم من يخفف الثانية حملاً على ما أجمع عليه من قولهم: آدر، وآدم، وهي أفعل من الأدرة، والأدمة، فاعلمه إن شاء الله، فعلى هذا تقول: السفهاء، ولا تجعلها بين الهمزة والياء نحو: على البواء، إن أردت، ومذهب سيبويه أن يجعل المضموم ما قبلها واواً خالصة، والمكسور ما قبلها ياء خالصة، فاعلمه إن شاء الله تعالى.
فإن اجتمعا من كلمة نحو: أأنذرتهم، فسيبويه زعم أن الخليل كان يرى تحقيق الثانية فيجعلها بين الألف والهمزة إذا كانت مفتوحة، وبين الواو والهمزة إذا كانت مضمومة، وذلك نحو: أوْنبِّكم، وبين الياء والهمزة إذا كانت مكسورة، فذلك نحو: أئِبلي رعت موضع كذا، فاعلمه.
وقد كنا قلنا: إن الهمزة حرف صحيح، وإن كان مستثقلاً، وذكرنا في أواخر الأبواب الماضية أن شرطه الباء والتاء، ونبهنا على ما شذ بالاعتلال من بابه لكثرة الاستعمال، نحو: أرى، وترى، ونحو: خذ، وكل، ومر، وسيمر القول فيه ما يستحكم معه العلم بتحقيقه إن شاء الله.