للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبلِّغهنَّ الحاجَ كلُّ مكاتبٍ ... طويلُ العصا أو مُقعدٌ يتزحَّفُ

ومكنونةٌ رمداءُ لا يَحدرونها ... مكاتبةٌ ترمي الكلابَ وتحذفُ

رأتْ ورقاً بيضاً فشدَّتْ حزيمها ... لها فهي أمضى من سُليكٍ وألطفُ

ولن يستهيمَ الخُرَّدَ البيضَ كالدُّمى ... هدانٌ وهلْباجةُ الليلِ مقرفُ

ولا جَبلٌ ترعيَّةٌ أحبنُ النَّسا ... أغمُّ القفا ضخمُ الهِراوةِ أغضفُ

حليفٌ لوَطبيْ علبةٍ بقريَّةٍ ... عظيمُ سوادِ الشَّخصِ والعودُ أجوفُ

ولكن رفيقٌ بالصِّبا متبطرقٌ ... خفيفٌ ذفيفٌ سابغُ الذَّيلِ أهيفُ

فتى الحيِّ والأضيافِ إن نزلوا به ... حذورُ الضُّحى تِلْعابةٌ متغطرفُ

يرى الليلَ في حاجاتهنَّ غنيمةً ... إذا نامَ عنهنَّ الهِدانُ المزيَّفُ

يلمُّ كإلمامِ القُطاميِّ بالقطا ... وأسرعُ منه خطفةً حينَ يخطفُ

وأصبحَ في حيثُ التقينا غُديَّةً ... سوارٌ وخلخالٌ وبردٌ مفوَّفُ

ومنقطعاتٌ من عقودٍ تركنها ... كجمرِ الغضا في بعض ما يُتخطرفُ

وأصبحتُ غرِّيدَ الضُّحى قد ومقْنني ... بشوقٍ ولمَّاتُ المحبِّينَ تشعفُ

خبر الكميت بن زيد ونُصيب القرشي

وحدثوا أن الكميت بن زيد أنشد نصيباً القرشي يوماً وهو يستمع له، حتَّى أنشده:

وقد رأينا بها حوراً منعَّمةً ... بيضا تكامل فيها الدَّلُّ والشَّنبُ

فثنى نصيب خنصره، فقال له الكميت: ما تصنع؟ فقال: أحصي عليك خطأك، أما ترى كيف تباعدت في قولك: تكامل فيها الدل والشنب، هلا قلت كما قال ذو الرمة:

لمياءُ في شفتيها حوَّةٌ لَعسٌ ... وفي اللِّثاثِ وفي أنيابها شنبُ

ثمَّ أنشد في قصيدة أخرى:

كأنَّ الغطامطُ من جريها ... أراجيزُ أسلمَ تهجو غفارا

فقال نصيب: ما هجت أسلم غفارا قط، فاستحيا الكميت وسكت.

[قصيدة ذي الرمة]

[وهو غيلان بن عقبة بن بهيش]

ما بالُ عينك منها الماءُ ينسكبُ ... كأنَّهُ من كُلىً مفريَّةٍ سربُ

وفراءَ غرفيَّةٍ أثأى خوارزها ... مشلشلٌ ضيَّعتهُ بينها الكتبُ

أستحدث الركبُ عن أشياعهم خبراً ... أم راجعَ القلبَ من أطرابهِ طربُ

من دمنةٍ نسفتْ عنها الصَّبا سعفا ... كما تنشَّرُ بعد الطَّيَّةِ الكتبُ

سيلاً من الدِّعصِ أغشتهُ معارفها ... نكباءَ تسحبُ أعلاهُ فينسحبُ

لا بل هو الشَّوقُ من دارٍ تخوَّنها ... مرَّا سحابٌ ومرَّا بارحٍ تربُ

يبدو لعينيكَ منها وهي مزمنةٌ ... نُؤُيٌ ومستوقدٌ بالٍ ومحتطبُ

إلى لوائحَ من أطلالِ أحويةٍ ... كأنَّها خللٌ موشيَّةٌ قشبُ

بجانب الزُّرقِ لم يطمسْ معالمها ... دوارجُ المورِ والأمطارِ والحقبُ

ديارُ ميَّةَ إذ ميٌّ تساعفنا ... ولا يرى مثلها عجمٌ ولا عربُ

برَّاقةُ الجيدِ واللَّباتِ واضحةٌ ... كأنَّها ظبيةٌ أفضى بها لببُ

بينَ النهارِ وبينَ الليلِ من عقدٍ ... على جوانبهِ الأسباطُ والهدبُ

عجزاءُ ممكورةٌ خمْصانةٌ قلقٌ ... عنها الوشاحُ وتمَّ الحسنُ والقصبُ

زينُ الثيابِ وإن أثوابها استُلبتْ ... فوقَ الحشيةِ يوماً زانها السَّلبُ

تريكَ سنَّةَ وجهٍ غيرَ مقرفةٍ ... ملساءَ ليس بها خالٌ ولا ندبُ

إذا أخو لذَّةِ الدنيا تبطَّنها ... والبيتُ فوقهما باللَّيلِ محتجبُ

سافتْ بطيِّبةِ العرنينِ مارنُها ... بالمسلكِ والعنبر الهنديِّ مختضبُ

تزدادُ للعينِ إبهاجا إذا سفرتْ ... وتحرجُ العينُ فيها حينَ تنتقبُ

لمياءُ في شفتيْها حوَّةٌ لعسٌ ... وفي اللِّثاثِ وفي أنيابها شنبُ

كحلاءُ في برجٍ صفراءُ في نعجٍ ... كأنَّها فضَّةٌ قد مسَّها ذهبُ

والقرطُ في حرَّةِ الذِّفْرى معلَّقةٌ ... تباعدَ الحبلُ منه فهو يضطربُ

تلك الفتاة التي علِّقتها عرضا ... إنَّ الكريمَ وذا الإسلامِ يختلبُ

لياليَ اللَّهوُ يطبيني فأتبعهُ ... كأنَّني ضاربٌ في غمرةٍ لعبُ

لا أحسبُ الدَّهرَ يبلي جدَّةً أبداً ... ولا تقسِّمُ شعباً واحداً شُعبُ

<<  <   >  >>