للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زارَ الخيالُ لميٍّ هاجعا لعبتْ ... به التَّنائفُ والمُهريَّةُ النُّجبُ

معرِّساً في بياض الصُّبحِ وقعتهُ ... وسائرُ السَّيرِ إلاّ ذاكَ منجذبُ

أخا تنائفَ أغفى عندَ ساهمةٍ ... بأخلقِ الدَّفِّ من تصديرها جلبُ

تشكو الخشاشَ ومجرى النِّسعتينِ كما ... أنَّ المريضُ عوَّادهِ الوصبُ

كأنَّها جملٌ وهمٌ وما بقيتْ ... إلاّ النَّحيزةُ والألواحُ والعصبُ

لا تشتكي سقطةً منها وقد رقصتْ ... بها المفاوزُ حتَّى ظهرُها حدِبُ

تخدي بمُنخرقِ السِّربالِ منصلتٍ ... مثلِ الحسامِ إذا أصحابهُ شحبوا

والعيسُ من عاسجٍ أو واسجٍ خببا ... يُنحزنَ من جانبيها وهيَ تنسلبُ

تصغي إذا شدَّها بالكورِ جانحةً ... حتَّى إذا استوى في غرزها تثبُ

وثبَ المسحَّجِ من عاناتِ معلُقةٍ ... كأنَّهُ مستبانُ الشَّكِّ أو جنبُ

يحدو نحائصَ أشباهاً محملجةً ... ورْقَ السَّراويلِ في ألوانها خطبُ

لهُ عليهنَّ بالخلصاءِ مربعةٌ ... فالفودجاتِ فجنبيْ واحفٍ صخبُ

حتَّى إذا معمعانُ الصَّيفِ هبَّ له ... بأجَّةٍ نشَّ الماءُ والرُّطبُ

وصوَّحَ البقلَ نأَّاجٌ تجيء به ... هيفٌ يمانيةٌ في مرِّها نكبُ

وأدركَ المتبقَّى من ثميلتهِ ... ومن ثمائلها واستنشيء الغربُ

تنصَّبتْ حولهُ يوماً تراقبهُ ... صحرٌ سماحيجُ في أحشائها قببُ

حتَّى إذا اصفرَّ قرنُ الشَّمسِ أو كربت ... أمسى وقد جدَّ في حوبائه القربُ

فراحَ منصلتاً يحدو حلائلهُ ... أدنى تقاذفهِ التَّقريبُ والخببُ

يعلو الحزونَ بها طوراً ليتعبها ... شبهَ الضَّرارِ فما يزري به التَّعبُ

كأنَّهُ كلَّما ارفضَّتْ حزيقتها ... بالصُّلبِ من نهسه أكفالها كلبُ

كأنها إبلٌ ينجو بها نفرٌ ... من آخرينَ أغاروا غارةً جلبُ

والهمُّ عينُ أُثالٍ ما ينازعهُ ... من نفسهِ لسواها مورداً أربُ

فغلَّستْ وعمودُ الصبح منصدعٌ ... عنها وسائرهُ بالليلِ محتجبُ

عيناً مطحلبةَ الأرجاءِ طاميةً ... فيها الضَّفادعُ والحيتانُ تصطخبُ

يستهلُّها جدولٌ كالسَّيفِ منصلتٌ ... بين الأشاءِ تسامى حولهُ العسبُ

وبالشمائلِ من جلاَّنَ مُقتنصٌ ... رذلُ الثِّيابِ خفيُّ الشخصِ منزربُ

معدُّ زرقٍ هدتْ قضباً مصدَّرةً ... ملسَ المتونِ حداها الريشُ والعقبُ

كانتْ إذا وذقتْ أمثالهنّ له ... فبعضهنَّ عن الألاَّفِ مشتعبُ

حتَّى إذا الوحشُ في أهضامِ موردها ... تغيَّبتْ رابها من خيفةٍ ريبُ

فعرَّضتْ طلقا أعناقها فرقاً ... ثمَّ اطَّباها خريرُ الماء ينسكبُ

فأقبلَ الحقبُ والأكبادُ ناشزةً ... فوقَ الشَّراسيفِ من أحشائها تجبُ

حتَّى إذا أزلَجتْ عن كل حُنجرةٍ ... إلى الغليلِ ولم يقصعْنهُ نُغبُ

رمى فأخطأ والأقدارُ غالبةٌ ... فانصعنَ والويلُ هجِّيراهُ والحربُ

يقعنَ بالسَّفحِ مما قد رأينَ به ... وقعاً يكادُ حصى المعزاءِ يلتهبُ

كأنَّهنَّ خوافي أجدلٍ قرمٍ ... ولَّى ليسبقهُ بالأمعزِ الخربُ

أذاكَ أم نمشٌ بالوشي أكرعهُ ... مسفَّعُ الخدِّ غادٍ ناشطٍ شببُ

تقيَّظَ الرَّملَ حتَّى هزَّ خِلفتهُ ... تروُّحُ البرد ما في عيشهِ رتبُ

ربلاً وأرطى نفتْ عنهُ ذوائبهُ ... كواكبَ الحرِّ حتَّى ماتتِ الشُّهبُ

أمسى بوهبينِ مجتازاً لمرتعه ... من ذي الفوارسِ تدعو أنفهُ الرِّببُ

حتَّى إذا جعلتْهُ بينَ أظهُرها ... من عجمةِ الرَّملِ أثباجٌ لها حببُ

ضمَّ الظلامُ على الوحشيِّ شملتهُ ... ورائحٌ من نشاصِ الدَّلوِ منسكبُ

فباتَ ضيفاً إلى أرطاةِ مرتَكمٍ ... من الكثيبِ لها دفءٌ ومحتجبُ

ميلاءَ من معدنِ الصِّيرانِ قاصية ... أبعارهنَّ على أهدافها كثبُ

وحائلٌ من سفير الحولِ جائلهُ ... حولَ الجراثيمِ في ألوانهِ شهبُ

كأنَّما نفضَ الأحمال داويةً ... على جوانبهِ الفرْصادُ والعنبُ

كأنَّهُ بيت عطَّارٍ يُضمِّنهُ ... لطائمَ المسكِ يحويها وتنتهبُ

<<  <   >  >>