عميرةَ ودِّع إن تجهَّزتَ غاديا ... كفى الشَّيبُ والإسلامُ للمرءِ ناهيا
فقال له عمر: لو قدَّمت الإسلام لأجزتك، فقال: والله ما سعرت. يريد: ما شعرت. وقال له أيضاً: لو كان شعرك كله هكذا لأحسنت جائزتك، فلما بلغ قوله:
وبتنا وسادانا إلى علجانةٍ ... وحقفٍ تهاداهُ الرِّياحُ تهاديا
قال: إنك مقتول، فقتل.
[والقصيدة:]
عميرةَ ودِّعْ إن تجهَّزتَ غاديا ... كفى الشَّيبُ والإسلامُ ناهيا
جنوناً بها فيما اعتشرْنا علاقةً ... علاقةَ حبٍّ مستسرّاً وباديا
لياليَ تصطادُ القلوبَ بفاحمٍ ... تراهُ أثيثاً ناعمَ النَّبتِ عافيا
وجيدٍ كجيدِ الرِّئم ليسَ بعاطلٍ ... من الدُّرِّ والياقوتِ والشَّذرِ حاليا
كأنّ الثُّريَّا علِّقتْ فوقَ نحرها ... وجمرَ غضًى هبَّت لهُ الرِّيحُ ذاكيا
إذا اندفعتْ في ريطةٍ وخميصةٍ ... ولاثتْ بأعلى الرأسِ برداً يمانيا
تريكَ غداةَ البينِ كفَّاً ومعصماً ... ووجهاً كدينارِ الأعزَّةِ صافيا
وما بيضةٌ باتَ الظَّليمِ يحفُّها ... ويرفعُ عنها جؤجؤاً متجافيا
ويجعلها بينَ الجناحِ ودفِّهِ ... وتفرشها وحفاً من الزَّفِّ وافيا
ويرفعُ عنها وهيَ بيضاءُ طلَّةٌ ... وقد واجهتْ قرناً من الشَّمسِ ضاحيا
بأحسنَ منها يومَ قالتْ أرائحٌ ... مع الرَّكبِ أم ثاوٍ لدينا لياليا
فإن تثوِ لا تملكْ وإنْ تضحِ غاديا ... تزوَّدْ وترحل عن عميرةَ راضيا
ومن يكُ لا يبقى على النأيِ ودُّهُ ... فقد زوَّدت ودَّاً عميرةُ باقيا
ألكني إليها عمركَ الله يا فتى ... بآيةِ ما جاءتْ إلينا تهاديا
تهاديَ سيلٍ في أباطحَ سهلةٍ ... إذا ما علا صمداً تفرَّعَ واديا
وبتنا وسادانا إلى علجانةٍ ... وحقفٍ تهاداهُ الرِّياحُ تهاديا
توسِّدني كفَّا وتثني بمعصمٍ ... عليَّ وتحنو رجلها من ورائيا
ففاءتْ ولم تقضِ الذي أقبلتْ لهُ ... ومن حاجةِ الإنسانِ ما ليس قاضيا
فما زالَ بردي طيِّبا من ثيابها ... إلى الحولِ حتَّى أنهجَ البردُ باليا
أقلِّبها للجانبينِ وأتَّقي ... بها الرِّيحَ والشَّفَّان من عن شماليا
وهبَّتْ لنا ريحُ الشَّمالِ بقرَّةٍ ... ولا ثوبَ إلاّ ردعها وردائيا
سقتني على لوحٍ من الماءِ شربةً ... سقاها بها الله الذِّهابَ الغواديا
ألا أيُّها الوادي الذي ضمَّ سيلهُ ... إلينا نوى الحسناءِ حيِّيتَ واديا
فيا ليتنا والعامريَّةَ نلتقي ... نرودُ لأهلينا الرِّياضَ الخواليا
وما برحتْ بالدَّيرِ منها أثارةٌ ... وبالجوِّ حتَّى دمَّنتهُ لياليا
فإنْ تقبلي بالودِّ أقبل بمثلهِ ... وإن تدبري أذهبْ إلى حالِ باليا
ألم تعلمي أنِّي قليلٌ لبانتي ... إذا لم يكنْ شيءٌ لشيءٍ مواقيا
وما جئتها أبغي الشِّفاءَ بنظرةٍ ... فأبصرتها إلاّ رجعتُ بدائيا
ولا طلعَ النَّجمُ الذي يهتدى به ... ولا الصُّبحُ حتَّى هيَّجا ذكرَ ماليا
إلاّ لسافي الرَّائحاتِ عشيةً ... إلى الحشرِ أستنجي الحسانَ الغوانيا
أخذنَ على المقراةِ أو عن يمينها ... إذا قلتُ قد ورَّعنَ أنزلنَ حاديا
أشوقاً ولمَّا يمضِ في غيرِ ليلةٍ ... رويدَ الهوى حتَّى يغبَّ لياليا
وما جئنَ حتَّى حلَّ من شاءَ وابتنى ... وقلنَ سرفناكمْ وكنَّ هواديا
وأقبلن من أقصى البيوتِ يعدنني ... ألا إنَّما بعضُ العوائدِ دائيا
تجمَّعنَ من شتَّى ثلاثاً وأربعاً ... وواحدةَ حتَّى كملنَ ثمانيا
وقلنَ ألا يا العبنَ ما لم يرنْ بنا ... نعاسٌ فإنَّا قد أطلنا التَّنائيا
لعبنَ بدكداكٍ خصيبٍ جنابهُ ... وألقينَ عن أعطافهنَّ المراديا
وقلنَ لمثلِ الرِّيمِ أنتِ أحقُّنا ... بنزعِ الخمارِ إذ أردنَ التَّجاليا
فقامتْ وألقتْ بالخمارِ مدلَّةً ... تفادي القصارُ السُّودُ منها تفاديا
تأطَّرنَ حتَّى قلتُ لسنَ بوارحاً ... وخفَّضنَ جأشي ثمَّ أصبحَ ثاويا