للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ولا يولج الكف ليعلم البث، أحسبه كان يجدها داء وعيباً تكتئب له، لأنَّ البث الحزن، فكأنه لا يدخل يده في ثوبها ليمس العيب فيشق عنها، تصفه بالكرم، قال أبو محمد القتيبي: على أنها قد ذمته في اللفظين الأولين، لأنها وصفته بالشر والبخل فيهما، ومدحته في الثالث، لأنها وصفته بالكرم، فكيف يجمع بينهما، فلا أرى القول إلاّ ما قال ابن الأعرابي، فإنه رواه: زوجي إن أكل لفَّ، وإن شرب اشتفَّ، وإن رقد التفَّ، ولا يدخل الكفَّ فيعلم البث، وفسره قال: أرادت أنه إذا رقد التف ناحية ولم يضاجعها، ولم يمارس ما يمارس الرجل من المرأة إذا أراد وطأها فيدخل اليد في ثوبها ويعلم البث، ولا بث هناك غير حب المرأة دنو زوجها منها، ومضاجعتها إياه، فكنَّت بالبث عن ذلك، لأن البث كان من أجله.

قال القتيبي: وهو كما قالت امرأة من كنانة لزوجها تعيره: إنَّ شربك لاشتفاف، وإن ضجعتك لانجعاف، وإن شملتك لالتفاف، وإنك لتشبع ليلة تضاف، وتأمن ليلة تخاف، ومثله قول أوس:

وهبَّتِ الشَّمألُ البليلُ وإذْ ... باتَ كميعُ الفتاةِ مُتفِعا

أي ملتفاً ناحية لا يضاجعها، والذي أقوله: إن ما أنكره على أبي عبيد من الجمع بين المدح والذم في الصفة على مقتضى ما فسره ليس بمنكر، لأن من يعدد خصال الموصوف قد يجمع بين ما يكون مدحاً وبين ما يكون ذماً، وهذا، كما حكي عن لقمان في وصفه أخاه: يهب البَكرة السَّنمة وليست فيه لعثمة، إلاّ أنه ابن أمة، وقد فسره القتيبي هذا في كتابه في حديث ولد عاد فقال: التلعثم التوقف عن الشيء حتَّى يفكر فيه، وأراد أنه ليس في خلاله شيء يتوقف عنه وعن مدحه به إلاّ أنه ابن أمة، فأما ما رواه عن ابن الأعرابي فهو أقرب وأشبه مما ذكره أبو عبيد. وأحسن منهما أن يجعل الكلام كله مدحاً، وتكون المرأة واصفة بعلها بسلاسة الطبع، وسهولة الجانب، وإيثاره في كل أحواله، موافقة أهله وإيناسهم، والبسط منهم، وإجمال موافقتهم، وترك التقزز معهم، وإظهار الاستطالة لكل ما يدنونه، والارتضاء لكل ما يعملونه، توصلاً إلى ارتفاع الحشمة من بينهم، في مواكلتهم ومجالستهم، ليطيب عيشه وعيشهم، وتزول الرقبة والتهيب عن جملتهم، فإن أكل تناول من كل ما يحضر وجمع بين ما يمكن، وإن شرب أتى على آخر ما يعب فيه، واستنفد كل ما في إنائه، وإن تخلَّى لا يتطلب ما يوجب الاهتمام له، ويجلب البثَّ عليه فيراه تشبك أصابعه ناقضاً بفكره طرق الهموم، وغامزاً بتتبعه مفاصل الأمور، ليعلم خافي البثّ، ويرد شارد الحزن، فهذا على ما ترى.

فأما في الزيادة التي في رواية ابن الأعرابي، وهو: إن رقد التفَّ، فالمراد به على العكس مما ذكر، وهو أن يلتصق بأهله متوشِّحاً به، يقال: ارتدى فلان فلاناً والتفَّ به، إذا عانقه وتلوى به، قال:

وكِلانَا مُرتدٍ صاحبهُ ... كارْتداءِ السَّيفِ في يومِ الوغَا

وقال أويس:

كأنَّ هرّاً جَنيباً تحتَ غِرزتِها ... والتفَّ ديكٌ برجليها وصيدينِ

[فصل]

ما جاء من أسماء الأجناس مضافاً في كلامهم إلى أسماء مواضعها وما يجري مجراها مما تشهدها

<<  <   >  >>