للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خليليَّ ما منْ ساعةٍ تربعانِها ... من الليلِ إلاّ مثلُ أُخرى نسيرُها

وقد تذهبُ الحاجاتُ يطلبُها الفتى ... شعاعاً وتخشى النَّفسُ ما لا يضيرُها

وكنتُ إذا ما زرتُ ليلى تبرقعتْ ... فقد رابَني منها الغداةَ سفورُها

وقد رابَني منها صدودٌ رأيتهُ ... وإعراضُها عن حاجتي وبسورُها

ولو أنَّ ليلى في ذُرى متمنّعٍ ... بنجرانَ لا التفَّتْ عليَّ قصورُها

يقرُّ بعيني أن أرى العيسَ تغتلي ... بنا نحو ليلى وهي تجري ضفورُها

أرتْنا حياضَ الموتِ ليلى وراقَنا ... عيونٌ نقيَّاتُ الحواشي تديرُها

ألا يا صفيَّ النَّفسِ كيفَ تقولُها ... لوَ انَّ طريداً خائفاً يستجيرُها

أظنُّ بها خيراً وأعلمُ أنَّها ... ستنعمُ يوماً أو يُفادى أسيرُها

وقالتْ أراكَ اليومَ أسودَ شاحبا ... وأنَّى بياضُ الوجهِ جرَّتْ حَرورُها

وغيَّرني إنْ كنتِ لمَّا تغيَّري ... هواجرُ لا أكتنُّها وأسيرُها

إذا كانَ يومٌ من سمومٍ أسيرهُ ... وتقصرُ من دونِ السَّمومِ ستورُها

حمامةَ بطنِ الواديينِ ترنَّمي ... سقاكِ من الغرِّ الغوادي مطيرُها

أبيني لنا لا أزالَ ريشكِ ناعماً ... ولا زلتِ في خضراءَ جمٍّ نضيرُها

وقد زعمتْ ليلى بأنِّيَ فاجرٌ ... لنفسي تُقاها أو عليَّ فجورُها

فقلْ لعقيلٍ ما حديثُ عصابةٍ ... تكنَّفها الأعداءُ ناءٍ نصيرُها

فإلاّ تناهَوا تركب الخيلُ بيننا ... وتُركضُ برجلٍ أو جناحٍ يطيرُها

لعلَّك يا تيساً نزَا في مريرةٍ ... معاقبُ ليلى أن تراني أزورُها

وأدماءَ من سرِّ المهارى كأنّها ... مهاةُ صوارٍ غيرَ ما مُسَّ كورُها

من النَّعباتِ المشي نعباً كأنَّما ... يناطُ بجذعٍ من أراكٍ جريرُها

من العركْركيَّاتِ حرفٌ كأنَّها ... مريرةُ ليفٍ شدَّ شزراً مغيرُها

قطعتُ بها أجوازَ كلِّ تنوفةٍ ... مخوفٍ رداها حينَ يستنُّ مورُها

يرى ضعفاءُ القومِ فيها كأنَّهمْ ... دعاميصُ ماءٍ نشَّ عنها غديرُها

وقَسورةُ اللَّيلِ التي بينَ نصفهِ ... وبينَ العشا قد ريبَ منها أسيرُها

أبتْ كثرةُ الأعداءِ أنْ يتجنَّبوا ... كلابي حتَّى يُستثارُ عقورُها

وما يشتكي جهلي ولكنَّ عدَّتي ... تراها بأعدائي بطيئاً طرورُها

أمُخترمي ريبُ المنونِ ولم أزرْ ... عذارى من همدانَ بيضاً نحورُها

ينؤنَ بأعجازٍ ثقالٍ وأسوقٍ ... خدالٍ وأقدامٍ لطافٍ خصورُها

[خبر سحيم عبد بني الحسحاس]

وحدثوا أن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي كتب إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه: أني قد اشتريت لك غلاماً حبشياً شاعراً فانظر هل تريده، فعرض عليه، فقال: إنه عبد بني الحسحاس هو ابن نفاثة بن سعد بن أسد من أسد بن خزيمة بن مدركة، واسم العبد سحيم، فقالوا: نعم هو شاعر يرغب فيه، فقال: لا حاجة لي فيه، لأن الشاعر لا حريم له، حظ العبد الشاعر منه إذا شبع أن يشبب بنسائهم، وإذا جاع أن يهجوهم، ورده.

قالوا: فاشتراه رجل، فلما رحل به أنشأ يقول:

أشوقاً ولمَّا يمضِ في غيرِ ليلةٍ ... فكيفَ إذا سارَ المطيُّ بنا شهرا

وما كنتُ أخشى مالكاً أن يبيعني ... بشيءٍ وإن أضحتْ أناملهُ صفرا

أخوكم ومولى مالكمْ وحليفكم ... ومن قد قوى فيكم وعاشركم دهرا

فلما بلغهم هذا الشعر ردوه وأكرموه وبقي فيهم مدة، حتَّى وجدوه يشبِّب بنسائهم، فأجمعوا قتله، فأخذوه وهو شارب ثمل، فهزئت به امرأة منهم وهو على تلك الحال شماتة به، فقال:

فإنْ تهزئي منِّي فيا ربَّ ليلةٍ ... جعلتكِ فيها كالقباءِ المفرَّجِ

قالوا: ومرَّت التي اتهموه بها، فأهوى لها يده فضربوه، فقال:

فإنْ تقتلوني تقتلوني وقد جرى ... لها عرقٌ فوقَ الفراشِ وماءُ

فشدوا وثاق العبد للقتل، فقال:

شدُّوا وثاقَ العبدِ لا يفلتكمُ ... إنَّ الحياةَ من المماتِ قريبُ

ولقدْ تحدَّرَ من جبينِ فتاتكمْ ... عرقٌ على ظهرِ الفراشِ وطيبُ

فقتل.

قالوا: وقد كان أنشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

<<  <   >  >>