وقالوا: إن كثيراً سئل ذات يوم، أنت أشعر أم جميل؟ فقال: بل أنا، فقيل: أتقول هذا وأنت راويته؟ قال: أجل، لأنه يقول:
رمى اللهُ في عينَيْ بثينة بالقذى ... وفي الغرِّ من أنيابِها بالقوادحِ
وأنا أقول:
هنيئاً مريئاً غيرَ داءٍ مخامرٍ ... لعزَّةَ من أعراضِنا ما استحلَّتِ
[وهذه قصيدة البيت:]
خليليَّ هذا رسمُ عزَّةَ فاعقِلا ... قلوصيكُما ثمَّ ابكيا حيثُ حلَّتِ
ومسَّا تراباً كانَ قد مسَّ جلدَها ... وظلاَّ وبيتاً حيثُ باتتْ وظلَّتِ
ولا تيأسا أن يغفرَ اللهُ منكُما ... ذنوباً إذا صلَّيتُما حيثُ صلَّتِ
فقد حلفتْ جهداً بما نحرتْ لهُ ... قريشٌ غداةَ المأزمينِ ولبَّتِ
أُناديكَ ما حجَّ الحجيجُ وكبَّرتْ ... بفيفَا غزالٍ رفقةٌ وأهلَّتِ
وكانتْ لقطعِ الحبلِ بيني وبينَها ... كناذرةٍ نذراً وفتْ فأحلَّتِ
فقلتُ لها يا عزُّ كلُّ مصيبةٍ ... إذا وطِّنتْ يوماً لها النَّفسُ ذلَّتِ
ولم يلقَ إنسانٌ من الحبِّ ميعةً ... تعمُّ ولا عمياءَ إلاّ تجلَّتِ
كأنّي أُنادي صخرةً حين أعرضتْ ... من الصُّمِّ لو تمشي بها العصمُ زلَّتِ
ووجدي بكمْ يا عزُّ لو تعلمينهُ ... كما وجدِ ملواحٍ عن الماءِ ضلَّتِ
صفوحٌ فما تلقاكَ إلاّ بخيلةً ... فمنْ ملَّ ذلك الوصلَ ملَّتِ
أباحتْ حمًى لم يرعهُ النَّاسُ قبلَها ... وحلَّتْ تلاعاً لم تكنْ قبلُ حلَّتِ
فليتَ قلوصي عندَ عزَّةَ قيِّدتْ ... بحبلٍ ضعيفٍ غرَّ منها فندَّتِ
وغودرَ في الحيِّ المقيمينَ رحلُها ... وكانَ لها باغٍ سوايَ فبلَّتِ
فيا منْ لعينٍ لا ترى قللَ الحمى ... ولا جبلَ الأوشالِ إلاّ استهلَّتِ
لجوجٌ إذا همَت عصيٌّ إذا بكتْ ... سواءٌ أدقَّتْ في البكا أم أجلَّتِ
ولمَّا ارتقينا في صعودٍ من الصِّبا ... على رتبٍ منها شنئتُ وكلَّتِ
فكنتُ كذاتِ الدَّاءِ راجعَ داؤها ... على حينِ قالَ الداعيانِ أبلَّتِ
وكنتُ كذي رجلينِ رجلٍ صحيحةٍ ... ورجلٍ رمى فيها الزَّمانُ فشلَّتِ
وكنتُ كذاتِ الضَّلعِ لمَّا تحمَّلتْ ... على ضلعِها بعدَ العثارِ استقلَّتِ
أُريدُ الثَّواءَ عندها وأظنُّها ... إذا ما أطلْنا عندها المكثَ ملَّتِ
تمنَّيتها حتَّى إذا ما رأيتُها ... رأيتُ المنايا مترعاً قد أظلَّتِ
وما غرَّني إلاّ كتابٌ كتبتهُ ... فليتَ يميني قبلَ ذلكَ شلَّتِ
يكلِّفها الخنزيرُ شتمي وما بها ... هواني ولكنْ للمليكِ استذلَّتِ
هنيئاً مريئاً غيرَ داءٍ مخامرٍ ... لعزَّةَ من أعراضِنا ما استحلَّتِ
فواللهِ ما قاربتُ إلاّ تباعدتْ ... لصرمٍ ولا أكثرتُ إلاّ أقلَّتِ
فإنْ تكنِ العتبى فأهلاً ومرحباً ... وحقَّتْ لها العتبى لدينا وقلَّتِ
وإنْ تكنِ الأخرى فإنَّ وراءنا ... بلاداً إذا كلفتُها العيسَ كلَّتِ
خليليَّ إنَّ الحاجبيَّةَ طلَّحتْ ... قلوصيكُما وناقتي قد أكلَّتِ
فلا يبعدنَ وصلٌ لعزَّةَ أصبحتْ ... بعاقبةٍ أسبابهُ قد تولَّتِ
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومةً ... لدينا ولا مقليَّةً إنْ تقلَّتِ
ولكنْ أنيلي واذكُري من مودَّةٍ ... لنا خلَّةٌ كانت لديكمْ فظلَّتِ
فإنِّي وإنْ صدَّتْ لمثنٍ وصادقٌ ... عليها بما كانتْ إلينا أزلَّتِ
وما أنا بالدَّاعي لعزَّةَ بالرَّدى ... ولا شامتٍ إنْ نعلُ عزَّةَ زلَّتِ
أصابَ الرَّدى من كانَ يهوى لكِ الرَّدى ... وجنَّ اللَّواتي قلنَ عزَّةُ جنَّتِ
فلا يحسبِ الواشونَ أنَّ صبابتي ... بعزَّةَ كانتْ غمرةً فتجلَّتِ
وأصبحتُ قد أبللتُ من دنفٍ بها ... كما أُدنفتْ هيماءُ ثمَّ استبلَّتِ
فواللهِ ثمَّ اللهِ لا حلَّ بعدَها ... ولا قبلَها من خلَّةٍ حيثُ حلَّتِ
وما مرَّ من يومٍ عليَّ كيومِها ... وإنْ عظمتْ أيَّامُ أخرى وجلَّتِ
فواعجبا للقلبِ كيفَ اعترافهُ ... وللنَّفسِ لمَّا وطِّنتْ كيفَ ذلَّتِ
وللعينِ أسرابٌ إذا ما ذكرتُها ... وللقلبِ بلبالٌ إذا العينُ ملَّتِ