للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تقول فيما فاؤه همزة: أزم إذا مضى، يأزم أزما، فهو آزم، والمفعول مأزوم، والأمر إئزم، كما تقول: عزم عليه يعزم عزماً فهو عازم، والمفعول: معزوم عليه، والأمر اعزم، على هذا كل ما كان فاؤه همزة من الثلاثي وغيره، أمره كأمر الصحيح، فإن كان الهمز عيناً وذلك نحو: ذأمه ذأماً، ورزأت الشيء أرزؤه رزءاً، والأمر منهما: اذأم، وارزأ، وإن كان لاماً فكذلك نحو: سبأت الخمرة أسبأها سبأ وسباء، والأمر: اسبأ، واجتماع حروف العلة مع الهمز كاجتماعها مع الصحيح من الحروف، تقول: ناء ينوء نوءاً، إذا نهض، كما تقول: قال يقول قولاً، والأمر: نوءْ كقُل، وناء اللحم ينيء نيئاً، وجاء يجيء جيئاً، كسار يسير سيراً والأمر منه جيء كسر وأنأت اللحم كأسرت الرجل وتقول: وأرت أرةً أأرها وأرا، كما تقول: وعدته أعده وعدة، والأمر: إرْ، كعِد، وتقول: بأوت ... .

... فأنا قريب من الأرض لانحنائي، وإذا أردت الجلوس نأت الأرض عني لما عليه مفاصلي من عصياني.

[مسألة من الغريب]

البارحة اسم لليلة يومك الذي أنت فيه وقد مضت، والبارح من قولك: ما برحت، أي ما تنحيت ولا غبت، والبارح من الظباء الذي يوافق يساره يسارك، وهذا عندهم يتشاءم به، والسانح خلافه وهو مبارك عندهم، قال ذو الرمة:

خليليَّ لا لاقيتُما ما حييتُما ... من الطَّيرِ إلاّ السَّانحاتِ وأسعدا

ومثل للعرب: من لي بالسّانح بعد البارح، يقوله الرجل يوعد بالإحسان بعد الإساءة إليه، وقد يتيمن بعضهم بالبارح ويتشاءم بالسانح، قال زهير:

جرتْ سنحاً فقلتُ لها أجيزِي ... نوًى مشمولةً فمتى اللِّقاءُ

قوله: نوى مشمولة، أصابها الشمال، والشمال تفرق السحاب، وأجيزي: أي اقطعي، كأنه خاطب الظباء متحسراً أي أنني على نوى من صفتها، وسيري فيها، هذا إذا جعلت النوى مفعول أجيزي، ويجوز أن يجعلها في موضع الرفع، وتجعل مفعول أجيزي محذوفاً، أو تجريه مجرى إذ هي، ويصير الخطاب للنفس على طريق التفجع كأنه قال: هذه نوى مشمولة، ومعنى: فمتى اللقاء في الوجهين تلاين واستبعاد، والبارح: طلوع الكوكب بالفلاة في المشرق، ونوؤه سقوطه في المغرب، فللكوكب نوء وبارح، والبارح: ريح حارة تهب في الصيف، وأيام البوارح: وهي رياح أنجم معروفة، النجمة الريدان والجوزاء والشعري والعقرب، قال ذو الرمة:

مرَّا سحابٌ ومَرَّا بارحٌ ترِبُ

وأنشد الأصمعي:

أيا بارحَ الجوزاءِ مالَكَ لا ترى ... عيالكَ قد أمسَوْا مراميلَ جوَّعا

وقال: الشعر للص أحب أن تهب عليه منها الريح فتمكنه الخرابة وهي سرقة الإبل تعفي الآثار، قال: وقد استبطأها آخر فقال:

أيا بارحَ الجوزاءِ مالَكَ مُضربا ... وقد غنى مال الشَّيخ غير قعودِ

والبارح الهم والشوق يبرح ويشق، ويقال: أصابه برحٌ بارح، وبراح: اسم للشمس معدول عن البارحة الزائلة، مثل حذام، ويقال للرامي إذا أخطأ: برحى، لزواله عن المقصد، ومرحى، إذا أصاب، وكذلك: أيحا، كأنه من المرح.

[مسألة]

الفرق بين قول القائل: كل هؤلاء أصحابك، وبين قولك: كل أصحابك هؤلاء، أن أقول: كل هؤلاء أصحابك، كل واحد منهم صاحبك، وجائز أن يكون له أصحاب غيرهم، وإذا قال: كل أصحابك هؤلاء، فالفائدة أن جملة أصحابه هم هؤلاء، ولا يجوز أن يكون له أصحاب غيرهم، فإن قيل: ما معنى قولك: كل، وكيف جاز أن يضاف إلى الأصحاب، والكل هم الأصحاب، والشيء لا يضاف إلى نفسه، بدلالة أنه لا يحصل له بذلك تخصيص، قلت، أما معنى كل، فهو اسم لأجزاء الشيء وأحاده، فعلى هذا الوجه أضيف، وكذلك وجب إضافة بعض لأنه بمنزلة جزء، وكان أبو علي الفارسي رحمه الله، يستدل على جواز دخول الألف واللام على كل واحد منهما بأن سبيلهما سبيل الأجزاء، والجزء، فلما لا يمتنع واحد منهما من حرف التعريف، كذلك قولك: كل وبعض، ولذلك لزمتهما الإضافة، قال أبو علي: وهذا قياس قول سيبويه، ومثلهما: النصف والثلث وغيرهما مما يلزمه الإضافة من أسماء أجزاء الشيء، فكما لا يمتنع شيء منهما من الألف واللام، فكذلك هما ولا فصل.

مسألة

<<  <   >  >>