جزيتُكِ ضِعفَ الودِّ لمَّا اشْتكيتهِ ... وما إنْ جزاكِ الضِّعفَ من أحدٍ قبلي
فالذي حكي عن الأصمعي فيه أنه قال: لم يصب في قوله: ضعف الود، لأن المعنى أضعفت لك الود، فكان يجب أن يقول: ضعفي الود، وهذا الذي ساقه الأصمعي لو قاله لكان صحيحاً على أن يكون سمى الأصل ضعفاً لما يضاعف به، والزيادة المضمومة إليه المماثلة له ضعفاً أيضاً لهذا المعنى ثم ثنى، ومثله قول الله عز وجل:) ربَّنا آتهم ضعفين من العذاب (، لأن المعنى: أضعف لهم العذاب، إلاّ أن أبا ذؤيب لم يذهب هذا المذهب، بل أراد قوله: ضعف الود، مضاعف الود، أو تضعيف الود، أي جزيتك لما استثبت أن ضعفت لك الود، ويدل على هذا أنه قال:
وما إنْ جزاكِ الضِّعفَ من أحدٍ قبلي
يريد ما جزاك المضاعف أو التضعيف غيري، وهذا كما قال الله تعالى:) فأتِهم عذاباً ضِعفاً من النَّار قال لكلٍّ ضِعفٌ (، أي: آتهم مضاعفاً من النار، قال لكل مضاعف أو تضعيف، وكما قال:) فأولئك لهم جزاءُ الضِّعفِ بما عملوا (، أي: جزاء التضعيف، وكما يبعد أن يكون الضِّعف ههنا المِثل فيكون المعنى لهم جزاء المثل، يبعد في بيت أبي ذؤيب أن يكون المراد ما إن جزاكِ المثل أحد قبلي، فإن قيل: فما المراد بقول القائل: اعطِهِ ضعفَ مستحقه؟ وما الفصل بينه وبين قول القائل: اعطه ضعفَي مستحقه؟ قلت: المراد بقوله: اعطه ضعف مستحقه، مضعوف مستحقه، ومضاعف مستحقه، أي الذي صير مضاعفاً بانضمام المستحق إليه، والمراد بقوله: ضعفي مستحقه، مثلي مستحقه. فإذا كان المستحق درهماً فعلى مقتضى الكلامين جميعاً يجب أن يعطيه درهمين، ولو قال: اعطه ضعف ما معه، وهو يريد مثلي ما معه، لم يصلح حتَّى يقول: ضعفي ما معه، وهو يريد مثلي ما معه، وهذا مبني على ما قدمناه من وجوه الضعف، فتأمله إن شاء الله.
فإن قيل: أليس قد زعمت أن الضعف قد يكون بمعنى التضعيف، والتضعيف والمضاعفة تكون للزائد على اثنين بدلالة قوله تعالى:) مثلُ الذينَ ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثلِ حبَّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلِّ سنبلةٍ مائة حبَّةٍ والله يضاعف لمن يشاء (، فهلا حملته عليه في هذه المسائل، فالجواب: إن مثل هذه المسائل وما يدخل في الإقرارات والوصايا وأشباهها يجب حمله مما يصلح له على أدون الرتب وأقل العدد، إذا تجرد عن القرائن، إذا كان ذلك لا بد منه، وألا يحمل على الأكثر والأعلى إلاّ بدلالة تدل عليه وتوجبه، وإذا كان كذلك، فصرف الضعف إلى معنى المثل، والمضعوف المثنى هو الأولى إلى أن يرى معه دلالة توجب تجاوزهما إلى الكثير، وقال الخليل وغيره: الكِفل من الأجر والإثم الضعف، كقوله: له كفلان من أجر وعليه كفلان من الإثم، ومثله قوله عز وجل:) يؤتكم كفلين من رحمته (، وقوله تعالى:) ومن يشفع شفاعةً سيِّئةً يكن له كفلٌ منها (، قالوا: ولا يقال: هذا كفل فلان حتَّى يكون قد هيأت مثله لغيره، كالنصيب، فإن أفردت فلا يقول: كفل ولا نصيب، وقال بعضهم: يجوز أن يكون الكفل من كفل فلانٌ فلاناً إذا عاله وأنفق عليه.
[مسألة إعراب]
ذكر بعضهم قول الشاعر:
في ليلةٍ من جُمادى ذاتِ أنديةٍ
فقال: كيف جاء ندى على أندية، وأفعلة جمع الممدود لا المقصور؟ تقول: رداء وأردية، وكساء وأكسية، وقذى وأقذاء، ورحى وأرحاء، والجواب: قال أبو العباس: هو جمع ندًى، كقول الشاعر:
يومانِ يومُ مقاماتٍ وأنديةٍ
والمعنى: في ليلة جمادية، لشمول القحط فيها وصعوبة الزمان على أهلها يتخذ الأغنياء فيها مجامع لتدبير الفقراء وإعداد الجزر للميسر، وجبر أهل الفاقة والمسكنة، وقال أبو الحسن الأخفش: كسَّر ندًى على نداء، كجبل وجبال، ثم كسَّر نداء على أندية كرداء وأردية. وقال بعضهم: كسِّر فعلا على أفعل، كزمن وأزمن، وجبل وأجبل، فصار أندٍ كايد ثم أنث أفعل هذه بالتاء فصار أندية، كما قيل: فحول وبعول وحجارة، توكيداً لتأنيث الجمع، فأندية على هذا أفعلة. وقال بعض الكوفيين: هو شاذ في الجموع، ومثله: قفا وأقفية، ورحى وأرحية، وهذان حكاهما الفراء وابن السكيت.
[بيت معنى]
أنشد للحطيئة:
غضبتمْ علينا أن قتلنا بخالدٍ ... بني مالكٍ ها إنَّ ذا غضبٌ مُطْرُ