الحمد لله رب العالمين، والصلاة على النبي محمد وآله أجمعين، قال الشيخ الجليل أبو علي أحمد بن محمد بن الحسن بن الحسن المرزوقي أدام الله نعمته.
اعلم أن الأسماء التي تفيد الشمول والعموم لها أحكام ومواضع وشروط، فمنها ما يفيد ذلك البتَّة في موضع بعينه، ثم إذا فارق ذلك الموضع، إن كان مما يفارق، جاز أن يفيده وصلح له، وجاز أن يفيد غيره، ومنها ما الأولى به أن يفيد الوحدة والانفراد، ثم إذا اقترن به لفظ أو حال أفاد الشمول والعموم، ومنها ما يفيد بلفظه الجنس الذي وضع له ثم ينصرف إلى الوحدة، والانصراف بعلامة تلحقه وتغيير، ومنها ما يفيد الشمول في التنكير على وجه، ويفيده في التعريف على وجه، ثم لا يقع أحدهما موقع الآخر، ومنها ما يفيد الكثرة، ولفظه لفظ الواحد، وقد صيغ اسماً للجمع، ومنها ما يفيد الكثرة ولفظه لفظ الجمع، ومنها ما يفيد الشمول في باب النفي ولا يقع في الإثبات البتة.
فالأول هو ما يفيد الشمول في موضع بعينه ينقسم قسمين: منه ما يلزم ذلك الموضع ولا يفارقه، وذلك: ككم وكيف وأين ومتى، لأنها تلزم موضعي الإبهام والاستفهام والجزاء، ولا يدخل على الذي ذكرناه وقوع كما في الخبر، لأنه بالاستفهام أولى حتَّى يقع في الخبر إذا وقع بغير صلة، فيبقى على حده في الاستفهام من الإبهام وسنبين من حاله في البابين ما يحتاج إليه في هذا الموضع.
ومنه ما يفارق ذلك الموضع وينتقل إلى غيره، ويقترن به، فيه ما يخصصه ويزيل الإبهام عنه فلا يفيد الشمول والعموم، وقد يقع مع اقتران المخصص به مفيداً للكثرة والشمول، وذلك ك: من، وما، وأيّ، ألا ترى أن هذه الأسماء تقع في موضع الإبهام من بابي الجزاء والاستفهام على حد وقوع الأسماء التي تقدمت فيه، نحو: من عندك؟ وما تفعل؟ ومن تضرب أضرب، ومن تعطه يأخذ، وأيهم في الدار؟ وأيهم تكرم أكرم، فيكون حكمها من الشمول حكم تلك، ويقع أيضاً في باب الخبر موصولة موضحة، أو موصوفة محدودة، فيكون الأولى بها الدلالة على المفرد المخصص في التنكير، وهي إذا كانت موصوفة وقد يقترن به أيضاً ما يستدل منه على إفادته الكثرة والشمول، فالأول وإن كان لا يحتاج إلى مثال لظهوره نحو: رأيت من أبوه منطلق، وما سلمته إلى زيد، وأيهم في الدار، فهذه مختصة بصلاتها معارف بمعنى الذي، ولموصوف المنكور نحو: ربَّ من أحسنت إليه أساء إليَّ، لأنه بمعنى: رب إنسان، ومررت بمن ظريف، أي: بإنسان، وكذلك تقول: مررت بما صالح، أي بشيء صالح، وحمل قوله تعالى:) هذا ما لديَّ عتيد (على أن ما فيه نكرة، ولديَّ صفته، وقال سيبويه: يلزم لما هذا الوصف ثم حكاه غير موصوف في التعجب وغيره، كأنه يريد أن ذلك أكثر أحواله.