إذا استهلَّتْ عليه غبْيةٌ أرجتْ ... مرابضَ العينِ حتَّى يأرجَ الخشبُ
تجلو البوارقُ من مجرَنمزٍ لهقٍ ... كأنَّهُ متقبِّي يلمقٍ عزبُ
والودقُ يستنُّ عن أعلى طريقته ... جولَ الجمانِ جرى في سلكهِ الثُّقبُ
يغشى الكناسَ بروْقيْهِ ويهدمهُ ... من هائلِ الرَّملِ منقاضٌ ومنكثبُ
إذا أرادَ انكراساً فيه عنَّ له ... دون الأُرومةِ من أطنابها طنبُ
وقد توجَّسَ ركزاً مقفرٌ ندسٌ ... بنبأةِ الصوتِ ما في سمعه كذبُ
فباتَ يُشئزهُ ثأدٌ ويُسهرهُ ... تذؤبُ الرِّيحِ والوسواسُ والهضبُ
حتَّى إذا ما انجلى عن وجهه فلقٌ ... هاديهِ في أخرياتِ اللَّيلِ منتصبُ
أغباشَ ليلٍ تمامٍ كان طارقهُ ... تطخطخُ الغيمِ حتَّى مالهُ جوبُ
غدا كأنَّ به جِنَّاً تذأبهُ ... من كلِّ أقطارهِ يخشى ويرتقبُ
حتَّى إذا ما لها في الجدرِ واتَّخذت ... شمسُ النَّهارِ شعاعا بينهُ طِببُ
ولاحَ أزهرُ مشهورٌ بنقبته ... كأنه حين يعلو عاقراً لهبُ
هاجتْ له جوَّعٌ زرقٌ مخضرَّةٌ ... شوازبٌ لاحها التَّغريثُ والجنبُ
غضفٌ مُهرَّتهُ الأشداقِ ضاريةٌ ... مثلُ السَّراحينِ في أعناقها العذبُ
ومطعمُ الصَّيدِ هبَّالٌ لبغيته ... ألفى أباهُ بذاك الكسبِ يكتسبُ
مقزَّعٌ أطلسُ الأطمارِ ليس لهُ ... إلاّ الضِّراء وإلا صيدها نشبُ
فانصاعَ جانبهُ الوحشيَّ وانكدرتْ ... يلحبنَ لا يأتلي المطلوبُ والطَّلبُ
حتَّى إذا دوَّمتْ في الأرضُ راجعهُ ... كبرٌ ولو شاءَ نجَّى نفسهُ الهربُ
خزايةً أدركتهُ بعد جولتهِ ... من جانبِ الحبلِ مخلوطاً بها غضبُ
فكفَّ من غربهِ والغضفُ يسمعها ... خلفَ السَّبيبِ من الإجهادِ تنتحبُ
بلَّتْ به غيرَ طياشٍ ولا رعشٍ ... إذ جلنَ في معركٍ يُخشى به العطبُ
فكرَّ يمشقُ طعناً في جواشنها ... كأنه الأجرَ في الأقبالِ يحتسبُ
فتارةً يخضُ الأعناقَ عن عرضٍ ... وخضاً وتُتنظمُ الأسحارُ والحببُ
يُنحي لها حدَّ مدريٍّ يجوفُ به ... حالاً ويصردُ حالاً لهْذمٌ سلبُ
حتَّى إذا كنَّ محجوزاً بنافذةٍ ... وزاهقاً وكلا روقيهِ مختضبُ
ولَّى يهزُّ انهزاماً وسطها زعلاً ... جذلانَ قد أفرختْ عن روعهِ الكربُ
كأنه كوكبٌ في إثرِ عفريةٍ ... مسوَّمٌ في سوادِ الليل منقضبُ
وهنَّ من واطيء يثني حويَّته ... وناشجٍ وعواصي الجوفِ تنشخبُ
أذاكَ أم خاضبٌ بالسيِّ مرتعهُ ... أبو ثلاثينَ أمسى وهو منقلبُ
شختُ الجُزازةِ مثلُ البيتِ سائره ... من المسوح خدبٌّ شوْقبٌ خشبُ
كأنَّ رجليهِ مسماكانِ من عشرٍ ... صقبانِ لم يتقشَّرْ عنهما النَّجبُ
ألهاهُ آءٌ وتنُّومٌ وعقبتهُ ... من لائحِ المروِ والمرعى له عقبُ
فظلَّ مختضعاً يبدو فتنكرْهُ ... حالا ويسطعُ أحيانا فينتسبُ
كأنه حبشيُّ يبتغي أثراً ... أو من معاشرَ في آذانها الخُربُ
هجنَّعٌ راحَ في سوداءَ مُخملةٍ ... من القطائفِ أعلى ثوبهِ الهدبُ
أو مقحمٌ أضعفَ الأبطانِ حادجهُ ... بالأمسِ فاستأخرَ العدلانِ والقتبُ
أضلَّهُ راعيا كلبيَّةٍ صدرا ... من مُطلبٍ وطلى الأعناقِ تضطربُ
فأصبحَ البكرُ فرداً من صواحبه ... مرتادَ أحليةٍ أعجازها شذبُ
عليه زادٌ وأهدامٌ وأخفيةٌ ... قد كاد يجتزُّها عن ظهرهِ الحقبُ
كلٌّ من المنظر الأعلى له شبهٌ ... هذا وهذان قدُّ الجسمِ والنُّقبُ
حتَّى إذا الهيقُ أمسى شامَ أفرخهُ ... وهنَّ لا مؤيسٌ نأيا ولا كثبُ
يرقدُّ في ظلِّ عرَّاصٍ ويطردهُ ... حفيفُ نافجةٍ عثْنونها حصبُ
تبري له صلعةٌ خرُجاءُ خاضعةٌ ... فالخرقُ دونَ بناتِ البيضِ منتهبُ
كأنَّها دلو بئرٍ جدَّ ماتحها ... حتَّى إذا ما رآها خانها الكربُ
ويلمَّها روحةً والريحُ معصفةٌ ... والغيثُ مرتجزٌ والليلُ مقتربُ
لا يذخرانِ من الإيغالِ باقيةً ... حتَّى تكادُ تفرَّى عنهما الأهبُ