فقال ابن عباس: ما هكذا أنشدنا، إنما قال: فيضحى، وأما بالعشيِّ فيخصر. فقال ابن الأزرق: أو حفظت ما قال؟ فقال: والله ما سمعتها إلاَّ ساعتي، ولو شئت أن أروها أرددتها، قال: فارددها. فأنشده إياها، فقال ابن الأزرق: ما رأيت أروى منك قط. فقال عبد الله: ما رأيت أروى من عمر، ولا أعلم من عليّ، رضي الله عنهما.
والقصيدة:
أمنْ آلِ نعمٍ أنتَ غادٍ فمبكرُ ... غداةَ غدٍ أم رائحٌ فمهجِّرُ
لحاجةِ نفسٍ لم تقلْ في جوابِها ... فتبلغَ عذراً والمقالةُ تعذرُ
تهيمُ إلى نعمٍ فلا الشَّملُ جامعٌ ... ولا الحبلُ موصولٌ ولا القلبُ مقصرُ
ولا قربُ نعمٍ إنْ دنتْ لكَ نافعٌ ... ولا نأيُها يسلي ولا أنتَ تصبرُ
وأخرى أتتْ من دونِ نعمٍ ومثلُها ... نهى ذا النُّهى لو ترعوي أو تفكِّرُ
إذا زرتُ نعماً لم يزلْ ذو قرابةٍ ... لها كلَّما لاقيتُهُ يتنمَّرُ
عزيزٌ عليهُ أنْ ألمَّ ببيتها ... يسرُّ ليَ الشَّحناءَ للبغضِ مظهرُ
إلكْني إليها بالسَّلامِ فإنَّهُ ... ينكَّرُ إلمامي بها ويشهَّرُ
بآيةِ ما قالتْ غداةَ لقيتُها ... بمدفعِ ركبانٍ أهذا المشَّهرُ
قفي فانظُري يا اسمُ هل تعرفينهُ ... أهذا المغيريُّ الذي كانَ يذكرُ
أهذا الذي أطريتِ نعتاً فلم أكنْ ... وعيشكِ أنساهُ إلى يومِ أُقبرُ
فقالتْ نعم لا شكَّ غيَّر لونهُ ... سُرى اللَّيلِ يُحيي نصَّه والتَّهجُّرُ
لئنْ كانَ إيَّاهُ لقد حالَ بعدَنا ... عن العهدِ والإنسانُ قد يتغيَّرُ
تغيَّرَ جسمي والخليقةُ كالتي ... عهدتُ ولم يُخبرْ بسرِّكَ مخبرُ
رأتْ رجلاً أمَّا إذا الشَّمسُ عارضتْ ... فيضحى وأمَّا بالعشيِّ فيخصرُ
أخا سفرٍ جوَّابَ أرضٍ تقاذفتْ ... بهِ فلواتٌ فهو أشعثُ أغبرُ
قليلٌ على ظهرِ المطيَّةِ ظلُّهُ ... وريَّانُ ما نفى عنهُ الرِّداءُ المحبَّرُ
وأعجبَها من عيشِها ظلُّ غرفةٍ ... وريَّانُ ملتفُّ الحدائقِ أخضرُ
ووالٍ كفاها كلَّ شيءٍ يهمُّها ... فليستْ لشيءٍ أخرَ اللَّيلِ تسهرُ
وليلةِ ذي دوْرانَ جشَّمني السُّرى ... وقد يجشمُ الهولُ المحبُّ المغرّرُ
فبتُّ رقيباً للرِّفاقِ على شفا ... أُراقبُ منهمْ من يطوفُ وأنظرُ
إليهمْ متى يأخذُ النومُ منهمُ ... ولي مجلسٌ لولا اللُّبانةُ أوعرُ
وباتتْ قلوصِي بالعراءِ ورحلُها ... لطارقِ ليلٍ أو لمنْ جاءَ معورُ
وبتُّ أناجي النَّفسَ أينَ خباؤها ... وأنَّى لما آتي من الأمرِ مصدرُ
فدلَّ عليها القلبَ ريَّا عرفتُها ... لها وهوى النَّفسِ الذي كانَ يظهرُ
فلمَّا فقدتُ الصَّوتَ منهم وأُطفئتْ ... مصابيحُ شبَّتْ بالعشاءِ وأنورُ
وغابَ قُميرٌ كنتُ أرجو غيوبهُ ... وروَّحَ رعيانٌ ونوَّمَ سمَّرُ
وخفِّضَ عنِّي الصَّوتُ أقبلتُ مشيةَ ال ... حبابِ ورُكني خيفةَ القومِ أزورُ
فحيَّيتُ إذ فاجأتُها فتولَّهتْ ... وكادتْ بمرجوع التحيّةِ تجهرُ
فقالتْ وعضَّتْ بالبنانِ فضحتْني ... وأنتَ امرؤٌ ميسورُ أمركَ أعسرُ
أريتكَ إذ هنَّا عليكَ ألمْ تخفْ ... رقيباً وحولي من عدوِّكَ حضَّرُ
فواللهِ ما أدري أتعجيلٌ حاجةٍ ... سرتْ بكَ أم قد نامَ من كنتَ تحذرُ
فقلتُ لها بلْ قادني الحبُّ والهوى ... إليكِ وما نفسٌ من النَّاسِ تشعرُ
فقالت وقد لانتْ وأفرخ روعها ... كلاك بحفظ ربّك المتكبرُ
فأنتَ أبا الخطَّابِ غيرَ منازعٌ ... عليَّ أمينٌ ما مكثتَ مؤمَّرُ
فيالكَ من ليلٍ تقاصرَ طولهُ ... وما كانَ ليلي قبلَ ذلكَ يقصرُ
ويالكَ من ملهى هناكَ ومجلسٍ ... لنا لم يكدِّرهُ علينا مكدِّرُ
يرفُّ إذا تفترُّ عنهُ كأنَّهُ ... حصى بردٍ أو أقحوانٌ منوَّرُ
وترنو بعينيها إليَّ كما رنا ... إلى ظبيةٍ وسطَ الخميلةِ جؤذرُ
فلمَّا تقضَّى اللَّيلُ إلاّ أقلَّهُ ... وكادتْ توالي نجمهِ تتغوَّرُ
أشارتْ بأنَّ الحيَّ قد حانَ منهمُ ... هبوبٌ ولكنْ موعدٌ منك عزورُ