عزفتَ بأعشاشٍ وما كدتَ تعزفُ ... وأنكرتَ من حدراءَ ما كنتَ تعرفُ
ولجَّ بك الهجرانُ حتَّى كأنَّما ... ترى الموتَ في البيتِ الذي كنتَ تألفُ
لجاجةَ صرم ليس بالوصل إنَّما ... أخو الوصل من يدنو ومن يتلطَّفُ
إذا انتبهتْ حدراءُ من نومةِ الضُّحى ... دعتْ وعليها درعُ خزٍّ ومطرفُ
بأخضرَ من نعمانَ ثمَّ جلتْ به ... دعت الثنايا طيِّبا حينَ يرشفُ
ومستنفراتٍ للقلوبِ كأنَّها ... مهاً حولَ منتوجاته يتصرَّفُ
تراهنَّ من فرطِ الحياءِ كأنَّها ... مراضُ سلالٍ أو هوالكُ نزَّفُ
إذا هنَّ ساقطنَ الحديثَ كأنَّهُ ... جنى النَّحلِ أو أبكارُ كرمٍ يُقطَّفُ
موانعُ للأسرارِ إلاّ لأهلها ... ويُخلفنَ ما ظنَّ الغيورُ المشفشفُ
ويبذلنَ بعدَ اليأسِ من غير ريبةٍ ... أحاديثَ تشفي المدنفينَ وتشغفُ
إذا القُنبضاتُ السُّودُ طوَّفنَ بالضحى ... رقدنَ عليهنَّ الحجالُ المسجَّفُ
وإن نبَّهتهنَّ الولائدُ بعدما ... تصعَّدَ يومُ الصيفِ أو كاد ينصفُ
دعونَ بقضبانِ الأراكِ التي جنى ... لها الرَّكبُ من نعمانَ أيامَ عرَّفوا
فمحنَ به عذبَ الرضابِ غروبهُ ... رقاقٌ وأعلى حيثُ ركِّبَ أعجفُ
لبسنَ الفرنْدَ الخسروانيَّ تحتهُ ... مشاعرَ من خزِّ العراقِ المفوَّفُ
فكيفَ بمحبوسٍ دعاني ودونه ... دروبٌ وأبوابٌ وقصرٌ مشرَّفُ
وصهبٌ لِحاهمْ راكزون رماحهمْ ... لهم درقٌ تحت العوالي مصفَّفُ
وضاريةٌ ما مرَّ إلاّ اقتسمنهُ ... عليهنَّ خوَّاضٌ إلى الطِّنئ مخشفُ
يبلِّغنا عنها بغيرِ كلامها ... إلينا من القصر البنانُ المطرَّفُ
دعوتُ الذي سوَّى السماوات أيدهُ ... والله أدني من وريدي وألطفُ
ليشغلَ عنِّي بعلها بزمانةٍ ... تدلِّههُ عنِّي وعنها فتسعفُ
بما في فؤادينا من الهمِّ والهوى ... فيبرأُ منهاضُ الفؤادِ المسقَّفُ
فأرسلَ في عينيهِ ماءً علاهما ... وقد علموا أنِّي أطبُّ وأعرفُ
فداويتهُ عامينِ وهيَ قريبةٌ ... أراها وتدنو لي مراراً فأرشفُ
سلافةَ جفنٍ خالطتْها تريكةٌ ... على شفتيها والذَّكيُّ المسوَّفُ
ألا ليتنا كنَّا بعيرينِ لا نردُ ... على حاضرٍ إلاّ نُشلُّ ونقذفُ
كلانا به عرٌّ يخافُ قرافهُ ... على النَّاس مطليِّ المساعرِ أخشفُ
بأرضٍ خلاءٍ وحدنا وثيابنا ... من الرَّيطِ والدِّيباجِ درعٌ وملحفُ
ولا زادَ إلاّ فضلتانِ سلافةٌ ... وأبيضُ من ماءِ الغمامةِ قرقفُ
وأشلاءُ لحمٍ من حبارى يصيدها ... إذا نحنُ شئنا صاحبٌ متألِّفُ
لنا ما تمنَّينا من العيشِ ما دعتْ ... هديلاً حماماتٌ بنعمان هتَّفُ
إليكَ أميرَ المؤمنين رمى بنا ... همومُ المنى والهوجلُ المتعسَّفُ
وعضَّ زمانٌ يا ابن مروانَ لم يدعْ ... من المال إلاّ مسْحتٌ أو مجرَّفُ
ومائرةِ الأعضادِ صهبٍ كأنَّما ... عليها من الأينِ الجسادُ المدوَّفُ
نهضنَ بنا من سيفِ رملِ كُهيلةٍ ... وفيها بقايا من نشاطٍ وعجرفُ
فما بلغتْ حتَّى تقاربَ خطوُها ... وبادت ذراها والمناسمُ رعَّفُ
وحتى مشى الحادي البطيءُ يسوقها ... لها بخصٌ دامٍ ودأيٌ مجلَّفُ
وحتى قتلنا الجهلَ عنها وغوِّرتْ ... إذا ما أنيختْ والمدامعُ ذرَّفُ
وحتى بعثناها وما في يدٍ لها ... إذا حُلَّ عنها رمَّةٌ وهي رسَّفُ
إذا ما أريناها الأزمَّةَ أقبلتْ ... إلينا بحرَّاتِ الخدودِ تصدَّفُ
إذا حلَّ عنها قاتلت عن ظهورها ... حراجيجُ أمثالَ الأهلَّةِ شسَّفُ
ذرعنَ بنا ما بين يبريْنَ عرضهُ ... إلى الشامِ تلقاها رعانٌ وصفصفُ
فأفنى مراحَ الدَّاعريَّةِ خوضها ... بنا الليلَ إذ نامَ الدَّثورُ الملفَّفُ
إذا اغبرَّ آفاقُ السَّماءِ وهتَّكتْ ... كسورَ بيوتِ الحيِّ نكباءُ حرجفُ
وجاءَ قريعُ الشَّولِ قبلَ إفالها ... يزفُّ وراحت بعدهُ وهي زفَّفُ
وهتَّكتِ الأطنابَ كلُّ ذفرَّةٍ ... لها تامكٌ من عاتقِ النَّيِّ أعرفُ