فلا يجوز أن يقال: أن هذا اللفظ مؤول بمعنى أنه مصروف عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، فضلا عن أن يقال: أن هذا التأويل لا يعلمه لم لا الله. اللهم إلا أن يراد بالتأويل ما يخالف ظاهره المختص بالخلق. فلا ريب أن من أراد بالظاهر هذا لابد وأن يكون له تأويل يخالف ظاهره.
لكن إذا قال هؤلاء: أنه ليس لها تأويل يخالف الظاهر، أو أنها مجرى على المعاني الظاهرة منها كانوا متناقضين، وأن أرادوا بالظاهر هنا معنى، في هناك معنى، في سياق واحد من غير بيان كان تلبيسا. وأن أرادوا بالظاهر مجرد اللفظ. أي تجرى على مجرد اللفظ. الذي يظهر من غير فهم لمعناه كان إبطالهم للتأويل أو إثباته تناقضا، لأن من أثبت تأويلا أو نفاء فقد فهم معنى من المعاني. وبهذا التقسيم يتبين تناقض كثير من الناس من نفاة الصفات ومثبتيها في هذا الباب.
ش: الإشارة راجعة إلى الطائفة التي اضطربت وتناقضت بسبب عدم معرفة التأويل وعدم تمييز صحيحه من فاسده، ولهذا نعتها المؤلف بقوله: الذين ينفون التأويل مطلقا ويحتجون بقوله: {وَمَا يَعْلَمُ تأويلهُ إِلَّا اللَّهُ} وإذاً فمراد المؤلف أنه يلزم على قول هذه الطائفة أن يكون الرسول لا يعرف معنى ما أنزل إليه من هذه الآيات، ولا أصحابه يعلمون معنى ذلك، بل لازم قولهم: أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف معنى ما تكلم به من أحاديث الصفات، بل يتكلم بكلام لا يعرف معناه.
ولاشك في بطلان ظنهم وفساد لوازم قولهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم ومتبعوه منزهون عن ذلك، بل مات صلى الله عليه وسلم وقد تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.