السابق يبشر باللاحق ويؤمن به فاللاحق يصدق السابق ويؤيده، كما في آية المائدة التي استشهد بها المؤلف وأمثالها من الآيات. وقد جعل الله الإيمان بالرسل مرتبطا بعضه ببعض، فمن فرق بينهم في الإيمان فليس بمؤمن بأحد منهم كما دل على ذلك آية النساء وآيتا البقرة ومثلهما آية آل عمران:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} الآية. وحينئذ فمن جملة الرسل نبينا محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام وقد أخذ الله على جميع من سبقه من الأنبياء أن يؤمنوا به وأن يأخذوا العهد على أممهم: بالإيمان به كما في آية آل عمران. وقد ذكر المؤلف أثر ابن عباس كشاهد على معنى الآية الكريمة وقد روى هذا الأثر ابن جرير وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما. ومثله ما رواه بن جرير أيضا عن علي رضي الله عنه قال:"لم يبعث الله نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأمره فيأخذ العهد على قومه ثم تلا: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} الآية".
وإذاً فعلى جميع من بلغته رسالة خاتم الرسل محمد عليه الصلاة والسلام أن يؤمن بمقتضاها وأن لا يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض. وقد حكم الله على اليهود والنصارى حين زعموا الإسلام وأمروا بالحج فامتنعوا بقوله:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} وهذا الأثر رواه بن جرير والبيهقي في سننه عن عكرمة ولفظه: قال لما نزلت {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينا} قالت اليهود والنصارى: فنحن مسلمون، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله فرض على المسلمين حج البيت"، فقالوا: أيكتب علينا؟ وأبوا أن يحجوا، قال الله {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} وذلك أن حج بيت الله الحرام أحد أركان الإسلام الخمسة كما في حديث ابن عمر الذي رواه البخاري ومسلم، فقد ختم الله الأنبياء بمحمد صلى الله عليه وسلم وأكمل له ولأمته الدين كما في آية المائدة. وقوله:"ولهذا لما وقف النبي بعرفة". يشير إلى ما رواه البخاري ومسلم عن طارق بن شهاب قال قالت اليهود لعمر: "إنكم