المشركين بل قال:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل" وبما ذكر من تقرير توحيد الشرع وبيان ارتباطه بالقدر اتضح أن هذا الأصل هو العمدة الذي يميز بين الأبرار والفجار والمسلمين والكفار، فهذا حقيقة التوحيد: شهودا بوحدانية لله وبرسالة رسول الله علما وعملا، خلافا لأرباب الكلام وأهل التصوف الذين يعتقدون أن مشاهدة الربوبية العامة والفناء في معرفتها هو الغاية في التوحيد وأن معنى الإله هو القادر على الاختراع. وحينئذ فلابد في تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله بأن لا يعبد إله غير الله، وشهادة أن محمدا رسول الله بأن لا يعبد الله إلا بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله:"ولهذا لم يكن في زمن الصحابة والتابعين من ينفي الأمر والنهي والوعد والوعيد ولكن نبغ فيهم القدرية كما نبغ فيهم الخوارج والحرورية وإنما يظهر من البدع أولا ما كان أخفى وكلما ضعف من يقوم بنور النبوة قويت البدعة":
يعني ومن أجل أن مقالة المجبرة شر من مقالة نفاة القدر نجد أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يوجد في عهدهم من ينكر الأمر والنهي والوعد والوعيد، أما إنكار القدر فقد وجد من يقول به في أواخر عهد الصحابة، كما روى مسلم وأبوداود وغيرهما عن يحي بن يعمر، قال: "كان أول من تكلم في القدر بالبصرة معبدا الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوفق الله تعالى لنا عبد الله بن عمر داخلا في المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا أناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف، فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني منهم بريء وأنهم مني براء والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ما قبله