للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ، الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} ، فأما من زعم أن الله يفعل عند حصول السبب فقد أنكر ما صرح به القرآن العزيز من أن الله يفعل بالسبب، وأنكر أيضا ما خلقه من القوى والطبائع التي كونها الله في المخلوقات كالقوة المحرقة التي جعلها الله من طبيعة النار، وكالقوة المبردة التي جعلها من طبيعة الثلج وكالقوة التي وهبها الله للإنسان فبها يقوم ويقعد ويعمل ويتلذذ ويتصرف، وكالإسكار الذي جعله الله من طبيعة الخمر، وكطبيعة مني الرجال الذي يحصل منه الولد، ومني الجمال الذي تحصل منه الإبل، إلى غير ذلك من الشائع التي جبل الله خلقه عليها، فسبحان مبدع الخلق الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، كما أن من جعل الحيوان هو الذي يوجد فعل نفسه، أو جعل شيئا من الأمور الطبيعية يفعل بمقتضى طبيعته فقد أشرك مع الله غيره في الخلق بإضافة فعل ذلك الشيء إلى غير الله، وقد سبق إيضاح أنه ما من سبب من الأسباب إلا وهو مفتقر إلى سبب آخر لا استقلال له البتة، ولابد أيضا في حصول المسبب من انتفاء الموانع مع قبول المحل، والله تبارك وتعالى خالق الأسباب ومسبباتها، فما من أحد يفعل بالاستقلال ما يريد إلا رب كل شيء ومليكه، قال عز وجل: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} يعني فتعلمون أن خالق الزوجين من جميع أصناف الخلق واحد لا إله للخلق غيره ولا رب لهم سواه. قال الشيخ وأما الأسباب المخلوقة كالنار. في الإحراق، والشمس في الإشراق والطعام والشراب في الإشباع والإرواء ونحو ذلك فجميع هذه الأمور سبب لا يكون الحادث به وحده بل لابد أن ينضم إليه سبب آخر، فالمطر وحده لا ينبت النبات إلا بما ينضم إليه من الهواء والتراب وغير ذلك، ثم الزرع لا يتم حتى تصرف عنه الآفات المفسدة له والطعام والشراب لا يغذي إلا بما جعل في البدن من الأعضاء والقوى، ومجموع ذلك لا يفيد إن لم تصرف المفسدات، والمخلوق الذي يعطيك أو ينصرك فهو مع أن الله يخلق فيه الإرادة والقوة والفعل فلا يتم ما

<<  <  ج: ص:  >  >>