للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفعله إلا بأسباب كثيرة خارجة عن قدرته تعينه على مطلوبه، ولو كان ملكا مطاعا ولابد أن يصرف عن الأسباب المعينة ما يعارضها ويمانعها، فلا يتم المطلوب إلا بوجود المقتضي وعدم المانع.

قوله:

ولهذا من قال: أن الله لا يصدر عنه إلا واحد لأن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد كان جاهلا فإنه ليس في الوجود واحد صدر عنه وحده شيء لا واحد ولا اثنان إلا الله {الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} ، فالنار التي جعل فيها حرارة لا يحصل الإحراق إلا بها، وبمحل يقبل الاحتراق فإذا وقعت على السمندل والياقوت ونحوهما لم تحرقهما، وقد يطلى الجسم بما يمنع إحراقه، والشمس التي يكون منها الشعاع لابد من جسم يقبل انعكاس الشعاع عليه فإذا حصل حاجز من سحاب أو سقف لم يحصل الشعاع تحته وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.

ش: يعني ومن أجل أن الباري سبحانه هو خالق الأسباب والمسببات والجاعل من كل زوجين اثنين كانت مقالة أهل الضلال: "بأن الله لا يصدر عنه إلا واحد لأن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد" قولا باطلا وضلالا مبينا، فإنه ليس في الوجود أحد صدر عنه واحد أو اثنان بالاستقلال غير خالق الأزواج كلها {ومما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون} ، وكمثال على أنه لابد مع حصول السبب من انتفاء المانع مَثَّل الشيخُ بالنار والشمس، فالنار قد أودعها الله تعالى قوة الإحراق ولكن لا يحصل هذا إلا في المحل القابل، ولهذا فالسمندل والياقوت قد جعل الله فيهما طبيعة تضاد الاحتراق، كما أن بعض الأدهان قد خلق فيها مناعة تنافي الاحتراق فلا يحترق الجسم المطلي بها، وكذلك الشمس قد أودع الله فيها طبعية الحرارة ولكن لابد مع حصول هذه الحرارة من انتفاء الموانع، فالجسم الذي تحت سقف لا تصيبه حرارتها لعدم انعكاس شعاعها عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>