للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ أبو عثمان المازني: قولُ الأخفش في "مَعيشةٍ" "مَعُوشةٌ" تَركٌ لقولِه في "مَبيعٍ ومَكيلٍ" وقياسهُ علَى "مَكيلٍ ومَبيعٍ" "مَعِيشةٌ" لأَنَّهُ زعمَ أَنَّهُ حينَ أَلقى حركةَ عِينِ "مَفْعولٍ" علَى الفاءِ انضمتِ الفاءُ ثُمَّ أُبدلتْ مكانَ الضمةِ كسرةٌ لأَنَّ بعدَها ياءً ساكنةً وكذلكَ يلزمهُ في "مَعْيشةٍ" وإلا رجعَ إِلى قولِ الخليلِ في "مَبيعٍ١" وذكرَ لي عَن الفراءِ أَنَّهُ كانَ يقولُ: "مَؤونةٌ مِنَ الأَينِ" وَهوَ التعبُ والشدة فكانَ المعنى: أَنَّهُ عظيمُ التعبِ في الإِنفاقِ علَى مَنْ يَعُولُ٢.

قَال أَبو بكر: وهَذا على مذهبِ الخليلِ لا يجوزُ أَن يكونَ: "مَوْؤنةً مِنَ الأينِ" لأَنَّها "مَفْعُلَةٌ" ولو بنى "مَفْعُلَة" مِنِ الأينِ لقالَ: "مَئِينُةٌ" كَما قالَ: "مَعِيشةٌ" وعلَى مذهبِ الأخفشِ يجوزُ أَنْ تكونَ "مؤونةٌ" مِنَ الأينِ إلا أَنَّ أبا عثمان قَد أَلزمهُ المناقضةَ في هَذا المذهبِ٣، وَمَوْؤُنَةٌ عندي وَهْوَ القياسُ "مَفْعُلَةٌ" مأْخوذٌ مِنَ "الأَونِ" يقالُ "للأتانِ" إِذا أقربتْ٤، وعظمَ بَطنُها: قد "أَوَّنَتْ" وإِذَا أَكلَ الإِنسانُ وشَربَ وامتلأَ بطنهُ وانتفختْ خاصرتاهُ يقالُ: قَد "أَوَّنَ" تأْوينًا. قالَ رؤبةُ:

سِرًْا وَقدْ أَوَّنْ تَأْوينَ العُقُقْ٥


١ على قياس الأخفش في "ميعشة" أن يبدل الضمة المنقولة من الياء إلى العين كسرة "معيشة" كما قال الخليل قياسا على "مبيع" وكذلك قياسه على مبيع في "فعل" من البيع أن يقول: "بِيع" كقول الخليل فيبدل من الضمة كسرة كما أن في "مبيع" لأن مبيعا ومعيشة وبيعا كل واحد منها ليس بجمع، فإن كان يقول "معوشة وبوع" يلزمه أن يقول في "مبيع" مبوع فيخالف العرب أجمعين. انظر: المنصف ١/ ٢٩٨.
٢ انظر: المنصف ١/ ٣٠١، وشرح الشافية/ ١٤٨.
٣ انظر: المنصف ٢/ ٢٩٧-٢٩٨.
٤ أقربت: قرب وقت ولادتها.
٥ هذا البيت من أرجوزة لرؤبة في وصف المفازة ومطلع هذه الأرجوزة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترقن
وبيت الشاهد هو الرابع والخمسون بعد المئة. وأون: أكل وشرب حتى صارت خاصرتاه كالأونين. أي: العدلين. والعقق: جمع عقوق، وهي الحامل، كرسل مع رسول. وصف أتنا وردت الماء فشربت حتى امتلأت خواصرها، فصار بطن كل منها كالأونين. وانظر: المنصف ٢/ ٣، والموشح للمرزباني/ ٢٧، والتهذيب ١/ ٦٠، واللسان "أون"، والمحتسب ١/ ٢١٤، والديوان/ ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>