للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب الظرف الذي يتمكن وهو الخامس من المبنيات]

وذلك نحو الآنَ ومُذْ ومنذُ, فأما الآن فقال أبو العباس رحمه الله: إنما بني لأنه وقع معرفةً، وهو مما وقعت معرفته قبل نكرته؛ لأنك إذا قلت: الآنَ فإنما تعني به الوقت الذي أنت فيه من الزمان، فليس له ما يشركه, ليس هو آنٌ وآنٌ فتدخل عليه الألف واللام للمعرفة, وإنما وقع معرفةً لِما أنت فيه من الوقت١. وأما "مُنذ" فإذا استعملت اسمًا أن يقع ما بعدها مرفوعًا أو جملة نحو: ما رأيته منذ يومان, وإن المعنى: بيني وبينَ رؤيته يومانِ, وقد فسرت ذلك فيما تقدم وهي مبنيةٌ على الضم, وإنما حركت لذلك لأن قبلها ساكنًا، وبنيت على الضم لأنها غاية عند سيبويه٢، وأتبعوا الضَّم الضَّم، وقد يستعمل حرفًا يجر، وأما "مذ" فمحذوفةٌ من "مُنْذُ" والأغلب على "مُذْ" أن تستعمل اسمًا، ولو سميت إنسانًا بمذ لقلت: مُنيذُ إذا صغرته، فرددت ما ذهب وصار "مُذْ" أغلب على الأسماءِ؛ لأنها منقوصة, ولَدن ومِنْ عَلُ, كما قال الشاعر:

وهي تَنُوشُ الحَوْضَ نَوْشًا مِن علا٣


١ انظر الإنصاف/ ٢٧٢، وشرح الكافية ٢/ ١٤١.
٢ انظر: الكتاب ٢/ ٤٥.
٣ من شواهد سيبويه ٢/ ١٢٣ على أن "علا" محذوف اللام, فإذا صغر اسمًا لرجل ردت لامه فقيل "على" لأن أصله من العلو, وهو صدر بيت لغيلان بن حريث، وعجزه: "نوشا به تقطع أجواز الفلا" وصف إبلًا وردت الماء في فلاة, فعافته وتناولته من أعلاه ولم تمعن في شربه, والنوش: التناول.
وانظر: معاني القرآن ٢/ ٣٦٥، ومجالس ثعلب/ ٦٥٥، وشرح السيرافي ١/ ٧٨، والفاخر لأبي طالب المفضل/ ٣٤، والاقتضاب للبطليوسي/ ٤٢٧، وأسرار العربية/ ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>