للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه لأن المأمورَ بعضها والمنهي بعضها، وقربه أنهما قد أحاطا بالأمور، وقال: وليس يجوزُ الخفض عندنا إلا على العطف على عاملين فيمن أجازه.

وأما قولُهم: ما كلُّ سوداءَ تمرةٌ ولا بيضاءَ شحمة, فقال سيبويه: كأنكَ أظهرت كُلَّ مضمرٍ فقلت: ولا كُلَّ بيضاء١، فمذهب سيبويه أنَّ "كُلَّ" مضمرة هنا محذوفة وكذلك:

أُكَلَّ امْرِئٍ تَحْسَبِينَ امرأً ... ونَارٍ تَوقَّدُ بالليلِ نَارا٢

يذهب إلى أنه حذف "كُلُّ" بعد أن لفظ بها ثانية، وقال: استغنيت عن تثنيةِ "كلِّ" لذكرك إياه في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب قال: وجاز كما جازَ في قوله: ما مثلُ عبد اللَّهِ يقول ذاكَ ولا أخيهِ وإن شئت قلت: ولا مثلَ أخيهِ فكما جاز في جمع الخبر كذلك يجوز في تفريقه وتفريقُه أن تقول: ما مثلُ عبد الله يقولُ ذاك ولا أخيه يكرهُ ذاكَ قال: ومثلُ ذلك: ما مثلُ أخيكَ ولا أبيكَ يقولانِ ذلكَ٣، فلما جاز في هذا جاز في ذاك.

وأبو العباس -رحمه الله- لا يجيزُ: ما مثلُ عبد الله يقولُ ذاكَ، ولا أخيهِ يكرهُ ذاكَ والذي بدأ به سيبويه الرفعُ في قولكَ: ما كُلُّ سوداءَ تمرةٌ ولا بيضاءَ شحمةٌ، والنصب في "ونارًا"٤ هو الوجه، وهذه الحروف شواذ، فأما من ظنَّ أن من جَر آياتٍ٥ في الآية فقد عطف على عاملين فغلطٌ منهُ، وإنما نظير ذلك قولك: إنَّ في الدار علامةً للمسلمين والبيتِ عَلامةً للمؤمنينِ, فإعادة علامة تأكيد وإنما حسنت الإِعادة للتأكيد لما طال الكلام، كما تعاد "إن" إذا طال الكلام، وقد ذكرنا هذا في باب إنَّ وأنَّ، ولولا أنا ذكرنا التأكيد


١ انظر الكتاب ١/ ٣٣.
٢ مر تفسيره/ ص٧١.
٣ انظر الكتاب ١/ ٣٣.
٤ يشير إلى قول الشاعر: ونار توقد في الليل نارا.
٥ يشير إلى قوله تعالى: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>