للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكسرة في الباء؛ لأنه موضع يدخله الجر, ولم يستحسنوا ذلك في لام الفعل لأنه موضع لا يدخله الجر, وقالوا: إنني ولعلني ولكنني؛ لأن هذه حروف مشبهة بالفعل.

قال سيبويه: قلت له, يعني الخليل: ما بال العرب قالت: إني وكأني ولعلي ولكني؟ فزعم: أن هذه الحروف اجتمع فيها أنها كثيرة١ من كلامهم، وأنهم يستثقلون في كلامهم التضعيف, فلما كثر استعمالهم إياها مع تضعيف الحروف, حذفوا النون التي تلي الياء قال: فإن قلت: "لعلي" ليس فيها تضعيف, فإنه زعم: أن اللام قريبة من النون٢، يعني في مخرجها من الفم، وقد قال٣ الشعراء في الضرورة: ليتي٤. وقال: سألته عن قولهم عني وقطني ولدني: ما بالهم جعلوا علامة المجرور ههنا كعلامة المنصوب؟ فقال: إنه ليس من حرف تلحقه ياء الإِضافة إلا كان متحركًا مكسورًا، ولم يريدوا أن يحركوا الطاء التي في "قط" ولا النون التي في "من" فجاءوا بالنون ليسلم السكون, وقدني بهذه المنزلة٥ وهذه النون لا ينبغي أن نذكرها في غير ما سمع من العرب, لا يجوز أن تقول: قدي كما قلت مني, وقد جاء في الشعر "قدي" قال الشاعر:

قدْنِيَ مِنْ نَصْرِ الخُبيْبَيْن قَدِي٦


١ أظن الأفصح "في كلامهم" وليس من كلامهم.
٢ انظر الكتاب ١/ ٣٨٦.
٣ في الأصل "قالت".
٤ مثل ذلك سيبويه، بقول زيد الخيل:
كمنية جابر إذ قال ليتي ... أصادفه وأتلف بعض مالي
٥ انظر الكتاب ١/ ٣٨٦.
٦ من شواهد سيبويه ١/ ٣٨٧ على حذف النون من "قدني" تشبيهًا بحسبي وإثباتها في قد وقط هو المستعمل؛ لأنها في البناء ومضارعة الحروف بمنزلة من وعن فتلزمها النون المكسورة قبل الياء لئلا يغير آخرها عن السكون, وهو صدر بيت، وعجزه:
ليس الإمام بالشحيح الملحد
وأراد بالخبيبين: عبد الله بن الزبير وكنيته أبو خبيب ومصعبا أخاه، وغلبه لشهرته، ويروى بالخبيبين على الجمع، يريد أبا خبيب وشيعته، ومعنى قدني: حسبي وكفاني، والبيت لأبي نخيلة حميد بن مالك الأرقط.
وانظر الهمع ١/ ٦٤ والدرر اللوامع ١/ ٤٢, والأشباه والنظائر ٢/ ٢٨٢ وشرح الحماسة ٢/ ٨٩٦ والخزانة ١/ ٤٥٣, وشرح السيرافي ٥/ ١٠٩, وأمالي ابن الشجري ٢/ ١٤٢, والمحتسب ٢/ ٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>