للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما وصلوا زال ما كرهوا، فردوا وزعم يونس أنه يقول: أعطيتُكُمْه١، بإسكان الميم كما قال في الظاهر: أعطيتكم زيدًا.

واعلم: أنَّ أنت، وأنا، ونحن، وأخواتهن يكن فصلًا, ومعنى الفصل أنهن يدخلن زوائد على المبتدأ المعرفة وخبره, وما كان بمنزلة الابتداء والخبر ليؤذن بأن الخبر معرفة أو بمنزلة المعرفة, ولا يكون الفصل إلا ما يصلح أن يكون كناية عن الاسم المذكور, فأما ما الخبر فيه معرفة واضحة فنحو قولك: زيد هو العاقلُ وكان زيد هو العاقل، وأما ما الخبر فيه يقرب من المعرفة إذا أردت المعرفة, وكان على لفظه فنحو قولك: حسبت زيدًا هو خيرًا منك وكان زيد هو خيرًا منك وتقول: إن زيدًا هو الظريف فيكون فصل, وإن زيدًا هو الظريف، وتقول: إن كان زيدٌ لهو الظريفُ وإن كنا لنحن, هي "نا" في كنا, ولو قلت: كان زيدٌ أنت خيرا منه, لم يجز أن تجعل "أنت" فصلًا, لأن أنت غير زيد فإن قلت: كنت أنت خيرًا من زيدٍ, جاز أن يكون فصلًا وأن يكون تأكيدًا فجميع هذه لمسائل الاسم فيها معرفة والخبر معرفة, أو قريب منها، مما لا يجوز أن يدخل عليه الألف واللام، ولو قلت: ما أظن أحدًا هو خير منك لم يجز أن تجعل "هو" فصلًا لأن واحدًا نكرة ولكن تقول: ما أظن أحدًا هو خير منك, فجعل: هو مبتدأ و"خير منك" خبره, وهذا الباب يسميه الكوفيون العماد, وقال الفراء: أدخلوا العمادَ ليفرقوا بين الفعل والنعت؛ لأنك لو قلت: زيدٌ العاقل لأشبه النعت, فإذا قلت: زيدٌ هو العاقل قطعت "هو" عن توهم النعتِ, فهذا الذي يسميه البصريون فصلًا ويسميه الكوفيون عِمادًا٢، وهو ملغى من الإِعراب، فلا يؤكد ولا ينسق عليه ولا يحال بينه وبين الألف واللام وما قاربهما, ولا يقدم قبل الاسم المبتدأ ولا قبل "كان" ولا يجوز كان هو القائم زيدٌ, ولا هو القائم كان زيد, وقد حكي هذا عن الكسائي، لأنه كان يجعل العماد بمنزلة الألف


١ انظر الكتاب ١/ ٣٨٩.
٢ انظر الإنصاف ٣٧٥, فقد شرح ابن الأنباري هذه المسألة وبين فيها آراء الفريقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>