للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما إذن، فتعمل إذا كانت جوابًا، وكانت مبتدأة ولم يكن الفعل الذي بعدها معتمدًا على ما قبلها, وكان فعلًا مستقبلًا, فإنما يعمل بجميع هذه الشرائط, وذلك أن يقول القائل: أنا أكرمكَ فتقول: إذن أجيئَك, إذن أحسنَ إليكَ, إذن آتيَكَ. فإن اعتمدت بالفعل على شيءٍ قبل "إذنْ" نحو قولك: أنا إذنْ آتيكَ, رفعت وألغيتَ كما تلغى ظننتُ وحسبتُ وليس بشيءٍ من أخواتها التي تعمل في الفعل يُلغى غيرها, فهي في الحروف نظير أرى في الأفعال، ومن ذلك: إن تأتني إذن آتك، لأن الفعل جواب: إنْ تأتني, فإن تم الكلام دونها جاز أن تستأنف بها وتنصب ويكون جوابًا, وذلك نحو قول ابن عَنَمة:

ارْدُدْ حِمَارَكَ لا تُنْزَع سَوِيَّتُهُ ... إذنْ يُردَّ وقَيْدُ العَيْرِ مَكْرُوبُ١

فهذا نصبٌ؛ لأن ما قبله من الكلام قد استغنى وتمَّ، ألا ترى أنَّ قوله: اردد حمارَك لا تُنزعْ سويتُه, كلام قد تمَّ, ثم استأنف كأنه أجاب من قال: لا أفعلُ ذاكَ فقال:

إذنْ يُردَّ وقَيْدُ العيرِ مكروبُ

فإن كان الفعل الذي دخلت عليه "إذنْ" فعلًا حاضرًا لم يجز أن تعمل فيه، لأن أخواتها لا يدخلن إلا على المستقبل وذلك إذا حدثت بحديثٍ فقلت: إذنْ أظنه فاعلًا, وإذن أخالكَ كاذبًا، وذلك لأنك تخبر عن الحال


١ من شواهد سيبويه ١/ ٤١١ على عمل إذن فيما بعدها؛ لأنها مبتدأة والسوية: شيء يجعل تحت البرذعة للحمار كالحلس للبعير، والنزع: السلب وقيد العير مكروب أي: مضيق حتى لا يقدر على الخطو. وجعل الشاعر إرسال الحمار في حماهم كناية عن التحكك بهم والتعرض لمساءتهم.
وانظر: المقتضب ٢/ ١٠, وشرح السيرافي ١/ ٣٣, وشرح الرماني ٣/ ٩٤، والمفضليات ٣٨٢, والأصمعيات ٢٦٧, وابن يعيش ٧/ ١٦, وديوان الحماسة ٢/ ١٤٨, وشرح الكافية للرضي.

<<  <  ج: ص:  >  >>