للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تغضَب, فهذا إظهار "أنْ" فيه أحسن. ويجوز إضمارها فأنْ مع الفعل بمنزلة المصدر، فإذا نصبت فقد عطفت اسمًا على اسمٍ ولولا أنك أضمرت "أنْ" ما جاز أن تعطف الفعل على الاسم؛ لأن الأسماء لا تُعطف على الأفعالِ, ولا تُعطفُ الأفعالُ على الأسماءِ؛ لأن العطف نظير التثنية فكما لا يجتمع الفعل والاسم في التثنية كذلك لا يجتمعان في العطف, فمما نصب من الأفعال المضارعة لما عطف على اسمٍ قول الشاعر:

لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقَرَّ عيني ... أَحَبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ١

كأنه قال: للبسُ عباءةٍ وأنْ تقرَّ عيني.

وأما الضرب الآخر فما دخلت عليه لام الجر وذلك نحو قولك: جئتُكَ لتعطيني ولتقومَ، ولتذهبَ, وتأويل هذا: جئتُك لأنْ تقومَ, جئتُكَ لأنْ تعطيني ولأن تذهبَ, وإنْ شئتَ أظهرتَ فقلت "لأنَّ" في جميعِ ذلك وإن شئت حذفت "أنْ" وأضمرتها, ويدلك على أنه لا بدّ من إضمار "أنْ" هنا إذا لم تذكرها أن لام الجر لا تدخل على الأفعال, وأن جميع الحروف العوامل في الأسماء لا تدخل على الأفعالِ, وكذلك عوامل الأفعال لا تدخل على الأسماء, وليس لك أن تفعل هذا مع غير اللام، لو قلت: هذا لك بتقوم, تريد بأن تقوم لم يجز، وإنما شاع هذا مع اللام من بين حروف الجر فقط للمقاربة التي بين كي واللام في المعنى.


١ من شواهد سيبويه ١/ ٤٢٦ على إضمار "أن" لأنه لم يكن بد من ذلك، فلم يستقم أن تحمل، وتقر, وهو فعل على "لبس" وهو اسم، والعباءة: جبة من صوف, والشفوف: ثياب رقاق نصف البدن واحدها شف, بكسر الشين وفتحها.
والشاهد لميسون بنت بحدل، وانظر المقتضب ٢/ ٢٧, والصاحبي ٨٤، وأمالي ابن الشجري ١/ ٢٨٠, والإنصاف ٢٨٣, وارتشاف الضرب ٨١٠, والمغني ٢/ ٥٣٢, وحياة الحيوان للدميري ٢/ ٢٠٨, وابن يعيش ٧/ ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>