ذلك لرفعت، ولكنك لما خالفت في المعنى فصار: ما أزوركَ فكيف تحدثني، وما أزوركَ إلاّ لم تحدثني، حمل الثاني على مصدر الفعل الأول, وأضمر "أنْ" كي يعطف اسمًا على اسمٍ, فصار المعنى: ما يكون زيارةٌ مني فحديثٌ منكَ. وكذا كلما كان غير واجب نحو الأمر والنهي والاستفهام؛ فالأمرُ نحو قولك: ائتني فأكرِمَكَ, والنهي مثل: لا تأتني فأكرمَكَ, والاستفهام مثل: أتأتني فأعطيَك لأنه إنما يستفهم عن الإِتيان ولم يستفهم عن الإِعطاء، وإنما تضمر "أنْ" إذا خالف الأول الثاني، فمتى أشركت الفاء الفعلَ الثاني بالأول فلا تضمر "أنْ" وكذلك إذا وقعت موقع الابتداء, أو مبنيٌّ على الابتداء.
شرح الثالث: وهو الواو:
الواو تنصب ما بعدها في غير الواجب من حيث انتصب ما بعد الفاء, وإنما تكون كذلك إذا لم ترد الإِشراك بين الفعلِ والفعلِ, وأردت عطفَ الفعلِ على مصدر الفعلِ الذي قبلَها, كما كان في الفاء وأضمرت "أنْ" وتكون الواو في جميع هذا بمعنى "مَع" فقط، وذلك قولك: لا تأكلِ السمكَ وتشربَ اللبنَ، أي: لا تجمعْ بين أكلِ السمكِ وشربِ اللبنِ, فإنْ نهاه عن كل واحدٍ منهما على حالٍ قال: ولاَ تشربِ اللبنَ على حالٍ, وتقول: لا يسعني شيءٌ ويعجز عنكَ فتنصبُ, ولا معنى للرفع في "يعجزُ" لأنه ليس يخبر أن الأشياء كلها لا تسعه، وأن الأشياء كلها لا تعجز عنه, إنما يعني: لا يجتمع أن يسعني شيءٌ ويعجز عنك، كما قال:
١ من شواهد سيبويه ١/ ٤٢٤، على نصب "تأتي" بإضمار أن بعد واو المعية, والتقدير: لا يكن منك نهي وإتيان، وهذا البيت مختلف في قائله، فقد نسب إلى المتوكل الكناني، ونسبه سيبويه إلى الأخطل وليس في ديوانه، ونسب إلى أبي الأسود الدؤلي وهو الصحيح. وانظر المقتضب ٢/ ٢٦, وحماسة البحتري ١٧٣, وشروح الحماسة ٢/ ٥٣٥, ومعاني الفراء ١/ ٣٤, والمؤتلف والمختلف ١٧٩، وابن يعيش ٧/ ٢٤.