للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفعلْ ذاكَ للَّهِ تؤجرْ، إذا ترجمت عن الأفعال بفعلٍ ولا يجوز البدل في الفعل إلا أن يكون الثاني من معنى الأول, نحو قولك: إن تأتني تمشي أَمشِ معكَ لأن المشي ضرب من الإِتيان ولو قلت: إنْ تأتني تضحكُ معي آتكَ فجزمتَ تضحكْ لَمْ يجز, قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله عز وجل: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا} ١، فقال: المعنى ليَظلُّنَّ, وكذلك: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} ٢ وإنما يقعُ ما بعدها من الماضي في معنى المستقبل؛ لأنها مجازاة، نظير ذلك: {وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا} ٣ أي: لا يمسكهما، وقال محمد بن يزيد, رحمه الله: وأما قوله٤: والله لا فعلتُ ذاك أبدًا، فإنه لو أراد الماضي لقال: ما فعلتُ فإنما قلبت لأنها لِمَا يقعُ ألا ترى أنها نفي سيفعل, تقول: زيدٌ لا يأكلُ فيكون في معنى ما يستقبل، فإنْ قلت: ما يأكلُ نفيتَ ما في الحال والحروف تغلب الأفعال, ألا ترى أنكَ تدخلُ "لَم" على المستقبل، فيصير في معنى الماضي تقول: لم يقمْ زيدٌ, فكذلك حروف الجزاء تقلب الماضي إلى المستقبل تقول: إنْ أَتيتني أَتيتك، قال أبو العباس, رحمه الله: مما يسأل عنه في هذا الباب قولك: إنْ كنتَ زرتني أَمسِ أكرمتُكَ اليومَ, فقد صار ما بعد "إنْ" يقع في معنى الماضي فيقال للسائل عن هذا: ليس هذا من قبل "إن" ولكن لقوة كانَ, وأنها أصل الأفعال وعبارتها جازَ أن تقلب "إنْ" فتقول: إنْ كنتَ أعطيتني فسوفَ أكافيكَ, فلا يكون ذلك إلا ماضيًا كقول الله عز وجل: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} ٥ والدليل على أنه كما قلت، وأن هذا لقوة "كانَ" أنه ليس شيءٌ من الأفعال يقع بعد "إنْ" غير "كانَ" إلا ومعناه الاستقبال، لا تقول: إن جئتني أمسِ أكرمتُكَ اليومَ، قال أبو بكر:


١ الروم: ٥١. وانظر الكتاب ١/ ٤٥٦.
٢ البقرة: ١٤٥. وانظر الكتاب ١/ ٤٥٦.
٣ فاطر: ٤١.
٤ انظر المقتضب ٢/ ٣٣٤-٣٣٥.
٥ المائدة: ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>